من يأتنا بالدولة 24-3-2006
مقالات عطا القيمري
كتب بتاريخ: 24 أذار 2006
* * *
الدولة أعلى شرعية من المنظمة ومن السلطة، فمن يأتنا بها؟
بقلم: عطا القيمري
منذ أن نشأت السلطة الفلسطينية وربما قبل ذلك أيضا وهي تعيش أزمة في العلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية لم يكن يطمس وجودها غير التداخل الذي فرضته شخصية زعيمهما ورئيسهما ياسر عرفات. وجاءت خطوة بحث برنامج حكومة حماس في اللجنة التنفيذية للمنظمة تتويجا لهذه الأزمة وبلورة لما في العلاقة بين الجسدين من تناقض ليس من السلامة السياسية الحديث فيه وذلك ربما لانه لا يروق الحديث عن تناقض يُزعم أنه ينبع مما في واقع الحال الفلسطيني بين داخل وخارج من تضارب للرؤى، التجربة وربما المصالح.
يطيب لمن كان يسمى حتى قبل انتصار حماس في الانتخابات التيار الرئيس في السياسة الفلسطينية أن يلحق السلطة بالمنظمة قلبا وقالبا، ويرفع الأخيرة على الاولى جاعلا منها الأصل والمرجعية. ولم يكن في هذا ما يعيب كثيرا كون الجسدين كانا محكومين بذات القيادة، العقلية، التجربة والتاريخ السياسي.
ولكن هناك على هذا الطرح تحفظ مبدئي هام. فحتى لو بقي ذاك التيار الرئيس هو السائد، فقد كان من الواجب إعادة النظر في اشكالية العلاقة بين هذين الجسدين باتجاه رفع مستوى السلطة عن المنظمة لاعتبارات المنطق والقانون الدولي. فسلطة حكم ذاتي تحكم شعبا ما حتى وان كان هذا الحكم محصورا أعلى درجة من حيث القانون الدولي عن أي منظمة تدعي التمثيل ومهما كان الاعتراف بشرعية تمثيلها واسعا وراسخا. نقطة اخرى تدعم هذا الميل هي الشرعية الديمقراطية التي تجعل هي الاخرى السلطة أعلى شرعية من كل منظمة، سواء في القانون الداخلي أو الدولي.
أما بعد انتصار حماس في الانتخابات، ولواقع عدم تمثيلها بأي شكل في المنظمة فانه لا بد أن يضاف الى هذا العيب المبدئي عيب واقعي إذ يجعل مؤسسة شائخة، فقدت الكثير من شرعيتها الداخلية مرجعية على مؤسسة ناشئة عن اجراء ديمقراطي حر ونزيه. فالمنظمة لم تقم يوما على أسس ديمقراطية وتحتلها حاليا قيادة بعضها إن لم يكن كلها باتت هي الأقلية في التمثيل الديمقراطي الناشيء عن الانتخابات.
ومع ذلك، ففي السياسة، فكرا وممارسة ينبغي أساسا مراعاة المصالح العليا، وتغليبها حتى على الاشكالات التنظيمية، الادارية وربما القانونية أيضا. فهناك حجة قوية في أن ما ينطوي عليه برنامج حكومة حماس من ممانعة سياسية قد يعرقل المصالح العليا كما تراها القوى الممثلة في منظمة التحرير. وكان لا بد بالتالي من أن تجد هذه القوى وسيلة للاعراب عن رأيها في برنامج حكومة حماس، وتبعث برسالة الى العالم بأنها لا تزال هي المرجعية السياسية وأنه لا يزال ممكنا الحديث معها هي فيما يسمى بالمسيرة السلمية على اعتبارها تلتزم بما وضعته الأسرة الدولية من شروط لهذه المسيرة.
ولكن كان يمكن التعبير عن ذلك، من أجل ابقاء ما يمكن الادعاء بانه "نافذة فرص" طالما لا تزال حماس وبرنامجها خارج المنظمة التي هي لا تزال رسميا مرجعية السلطة، بطريقة اخرى وليس من خلال رفض برنامج الحكومة ومطالبتها بتغييره في الوقت الذي يعرف الجميع أن مرجعية الحكومة وصلاحية اقرارها هي وبرنامجها حسب الدستور وحسب النظام السليم هو البرلمان المنتخب وليس أي قيادة ترى نفسها أعلى. وقد انتبه الرئيس ابو مازن الى الاشكالية وأكد أن المجلس هو سيد الموقف فيما يتعلق بالحكومة.
وهكذا تكون قيادة منظمة التحرير أدخلت نفسها في واقع الحال في مأزق يتعلق بالشرعية، فادعت بأن على حماس أن تعترف بها قيادة عليا فيما أنها لا تعترف هي لحماس بحقها في ادارة السلطة التي انتخبت ديمقراطيا لتديرها كما تراه مناسبا ببرنامج يطرح للمصادقة امام المجلس التشريعي الذي انتخب تحقيقا لهذه الادارة. فالشرعية الخارجية وحدها تستمد من الاعتراف الدولي، اما الشرعية الداخلية فيجب اساسا بل وحصرا ان تستمد من التمثيل الديمقراطي الذي يتحقق بالانتخابات.
ومع ذلك ففي السياسات العامة كثيرا ما لا تكون الضوابط الادارية، السياسية وربما القانونية هي الامر المقرر بل المصالح العليا للشعب. واذا كانت المنظمة بقيادتها الحالية ترى من مصلحة الشعب ان تترك للعالم ولاسرائيل نافذة فرص للعودة الى طاولة المفاوضات، فان عليها الا تنسى ان نافذة الفرص هذه لا تأتي في واقع الحال من العالم أو من اسرائيل، بل أساسا من حماس نفسها. وبالتالي فانه ينبغي اعادة ترتيب العلاقة بين الجسدين بحيث لا تتداخل الصلاحيات فتبقى ادارة السياسة العليا مؤقتا، وطالما لم يجرِ اعادة بناء المنظمة لتضم حماس أيضا، بيد قيادة منظمة التحرير فيما تدير حكومة حماس الشؤون الداخلية دون تدخل غير مبرر من المنظمة.
في القانون الدولي ترتفع مكانة سلطة الحكم ذاتي على الأرض عن منظمة تحرير لا سيطرة لها على هذه الأرض. أما الدولة فهي أعلى من الجهتين. وعندما ترتفع السلطة الى مستوى الدولة، فان المنظمة ستصبح عندها وزارة في أفضل الأحوال، او مؤسسة وطنية، أو مجرد دائرة في احدى وزاراتها.
ولكن يبدو أننا عشقنا الثورة التي تنطوي عليها المنظمة فيما نكتفي من السلطة بقشور الدولة ونفضل عليها ما في المنظمة من راحة، والحقيقة ان كل سلوكنا السياسي السابق، وعلى فكرة الحالي لحماس أيضا حيث تفضل النقاء الثوري على أوساخ السياسة الواقعية، يدل على اننا لا نزال بعيدون عن الدولة ومقتضياتها، حتى أننا دعونا البعض الى التشكيك في أننا نريد الدولة أصلا (راجع مقال برادلي بريستون "هل يريد الفلسطينيون دولة حقا"- هآرتس، تيد بلمان ""فلسطين" لن تظهر الى الوجود أبدا"- موقع اسرابونديت) .
والى أن تتحقق الدولة التي تأتي لتلغي المنظمة والسلطة على حد سواء، والى أن يعاد ترتيب المنظمة لتصبح منسجمة مع السلطة، وهذه هي نافذة الفرص الوحيدة على ضيقها، فانه ينبغي ادارة العلاقة بينهما بتؤدة وتعاون وليس بأي ادعاء بالمفاضلة بالشرعية.
القدس 24/3/2006
* انتهـى *