Al-Masdar One

 

 

   

مقالات عطا القيمري

كتب بتاريخ: 19 أيار 2006

 

 

 *  *  *

 

 

العنوان مخطوط على الحائط

 

بقلم: عطا القيمري

 

العنوان مخطوط على الحائط بحروف من نار ودخان. شبح الحرب الاهلية في فلسطين، لم يعد شبحا بل جسدا من لحم ودم يسير بيننا بكل ثقله. كل الشروط التي تؤكد وجوده قائمة. وعندما تقع المصيبة فان شيئا من النوايا الطيبة والايمانات الغليظة بحرمة الدم الفلسطيني لن يُنجِنا منها. فهل من يقف الآن ليمنعها قبل ان يفوت الأوان؟!

 

          الاختلاف السياسي القطبي موجود. والسلاح بوفرة والحمد لله لدى كل الأطراف. والدس الخارجي هو الآخر وافر بكثرة. فما الذي ينقص حتى يحصل الاشتعال. المصلحة فيه أولا ثم الشعلة الاولى.

 

          المصلحة آخذة في التبلور، وليس رويدا رويدا بل بتسارع مدهش. والمقصود هنا بالمصلحة ان تستنتج كل الاطراف بأن مصلحتها الحقيقية، العميقة، المحتمة التي لا مفر منها هو حسم الصراع بالقوة.

 

          القوة الخارجية، ولا سيما المعادية لا يحتاج المرء جهدا كبيرا كي يرى ما لها من مصلحة في اشتعال إوار حرب أهلية في فلسطين. فلوقت طويل تفاوتت الرؤى في إسرائيل حول المصلحة في مثل هذه الحرب في فلسطين. وكان الاختلاف يوزع المصلحة بين مؤيد ومعارض بالتساوي. فمنهم من قال ان حربا أهلية في فلسطين تشغل الفلسطينيين بأنفسهم عن كفاحهم وصراعهم ضد اسرائيل تريحها من الهم والاقلاق اللذين يشكلون. وبذات القدر من القلق على المصلحة، اختلف معهم معارضو مثل هذه الحرب في فلسطين، بان حربا أهلية في فلسطين لا بد آجلا أم عاجلا أن تشكل عبئا على جيرانها، ولا سيما إسرائيل، بل وقد ترفع مستوى الهم والاقلاق الى أعلى مستوياته، دون أن تعفى اسرائيل من مسؤوليتها الاجمالية عما يحصل في "مناطقها" المحتلة من اضطرابات في نظر الاسرة الدولية. غير أن هذا الجدال قد يحسمه الفلسطينيون أنفسهم في أن يختاروا هم الجهة التي يساندون في هذا الجدال فيضرمون نار الحرب في أوساطهم، تاركين للآخرين الافادة منها، أو الوقاية منها حسب مصالحهم.

 

          ليست المشكلة في مصلحة الاعداء في ضرنا بل في أن تصبح الحرب الاهلية هي المفر من أزمة الحكم. فعندما تتأزم الحكومة ولا تستطيع الحكم، وهذا ما يحصل حاليا لحكومة حماس، فالخيارات تكون محدودة. أولا، أن تعترف الحكومة بفشلها، وهي على وشك الفشل حقا، سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا وأمنيا، إذ أنها لا توفر الصيغة السياسية للخروج من مأزق شروط الشرعية الدولية، الاقليمية، العربية والمحلية فتحل بذلك دفعة واحدة كل الأزمة، فتستقيل وتترك الميدان لمن تتوفر لديه مثل هذه الصيغة. وهذا مستبعد جدا، إذ لا يبدو أن حماس مستعدة لان تعترف بفشلها وتنزل عن المسرح. ثانيا، أن تستيقظ العقول والنفوس قبل فوات الأوان، وتجد صيغة مناسبة للوفاق الوطني، كتلك التي اقترحها القادة السجناء مثلا، والتي هي الأخرى لا تبدو أنها تلقى القبول الكافي من حكومة حماس وقادتها. وثالثا، الهروب من الأزمة بالحرب الاهلية. فعندها لن يتحدث أحد عن النجاح أو الفشل ويصبح الميدان العسكري وليس الصيغة السياسية هو معيار هذا النجاح أو الفشل .

 

          في الأزمة الاجتماعية لا تكفي البراءة، أو النية الطيبة، أو الحرص الوطني، أو كل التعابير الجميلة والصادقة عن حرمة الدم وما شابه. فقد سبق للتاريخ أن شهد حروبا أهلية مضرجة بالدماء رغم حلفان قادتها المسبق على حرمة الدم واستبعاد الحرب.

 

          واذا كان لا بد من التذكير، فلنتذكر حرب لبنان الأهلية بكل بشاعتها ولنستدرك الدروس التي بات اللبنانيون الان يخلصون اليها بعد أن اكتووا بنارها.

 

          وتذكير آخر هنا بحالة التسلح العالية التي شهدها العراق بعد الحرب مع ايران. فلم تنتهي الحرب هناك حتى صار في العراق نحو مليون جندي تحت السلاح. وعندما يتوفر هذا الحجم الهائل من السلاح وأدواته فلا بد من ايجاد تعبير وعمل لهما. فكان اجتياح الكويت وكل ما تبقى تاريخ نعرفه جميعا.

 

          وهكذا فان الفتيل الذي سيشعل نار الحرب الأهلية في فلسطين موجود في كثرة وتعدد السلاح والإمرة عليه. لقد جرى كثيرا الحديث عن نزع سلاح التنظيمات المسلحة كشرط من شروط خريطة الطريق، وكان قرار القيادة الفلسطينية في عهد عرفات وخلفه عباس حرمة سلاح المقاومة، وحرمة الدم الفلسطيني كون كل محاولة لنزع هذا السلاح مآلها شكل من أشكال الحرب الأهلية إن لم يكن الحرب الأهلية بأبشع اشكالها. وقد اختارت القيادة حسم الخلاف السياسي الداخلي بالانتخابات. ولكن بعد فك الارتباط عن غزة لم يعد السلاح القائم والموزع ومتعدد الولاءات سلاح مقاومة. وبصفته هذه فانه لن يكون سوى سلاح يثير ويعزز ما أرادت القيادة استبعاده، أي الحرب الاهلية واعادة الحسم الى الشارع بدلا من البرلمان.

 

          كل السياسيين يعرفون أن هنا مربط الفرس. في نزع السلاح المشتت ومتعدد الولاءات يكمن الحل. ولكن هذا الحل يحتاج الى إرادة موحدة كي توحد السلاح وولائه تحت إمرة واحدة قادرة على صيانة الوطن من خطر الحرب الأهلية ومن الكارثة السياسية التي يعدها العدو.

 

          في وثيقة القادة السجناء يكمن حبل النجاة. ولكنه لا يكفي إذ لا يزال الحديث الذي يسمى الحوار الوطني في فلسطين يدور بين القوى المسلحة التي لا تأبه للرأي العام المغيب غالبا عن هذا الحوار.

 

          ما يسمى بالحوار الوطني لا ينقصه فقط القوى الاجتماعية التي لا تملك السلاح وإن ملكت الثقافة والوعي بل وتنقصه الضمانة التي تمنع الانحدار نحو مزيد من التأزم، وصولا الى الاقتتال والحرب الأهلية في حالة الفشل.

 

          العنوان مخطوط على الحائط بحروف من نار ودخان. فهلا جاءنا من ينقذنا من لظى الحرب الأهلية والنكبة المحتمة في إثرها.

 

 

القدس 19/5/2006 

     انتهـى         *