Al-Masdar One

   

مقالات عطا القيمري

كتب بتاريخ: 21 /تشرين الأول / 2005

 

 *  *  *

 

فرحة فقراء أم مبادرة أقوياء

بقلم: عطا القيمري

على قدر الامل تكون الفرحة أو الخيبة. ففي الظرف الذي يلتقي فيه الرئيسان بوش وابو مازن يكون إنعدام الموقف انجاز لا يقل عن الموقف نفسه. فبعد فك الارتباط عن غزة، والتحول الظاهر لبؤرة الصراع الى الضفة، يكون امتناع بوش عن الضغط على أبو مازن لتفكيك المنظمات ونزع سلاحها، والمصادقة على مشاركة حماس في الانتخابات، إنجازا رغم سلبيته. هذه هي خلاصة زيارة الرئيس عباس الى الولايات المتحدة ولقائه الرئيس بوش.

ولكن هذه فرحة لا تبتعد كثيرا عن الخيبة. فاذا ما ضئل الأمل، باتت كل نتيجة باعثة على الفرحة داحرة الخيبة. فلو أننا رفعنا مستوى التوقع من الولايات المتحدة إلى درجة تبني الموقف الفلسطيني الرسمي في العودة الفورية الى خريطة الطريق بجدول زمني دقيق وإلى المفاوضات على الوضع الدائم متجاوزين مراحل خريطة الطريق الأولية ومتطلباتها العصيبة منا، لكانت خيبة الأمل هي النصيب الأوفر لنا. أما وقد تواضعنا لنأمل بمجرد تكرار للخدمة الكلامية لخريطة الطريق ولاسطوانة المطالب المشروخة من اسرائيل، كوقف الاستيطان وتفكيك البؤر الاستيطانية العشوائية وتسيير الجدار لاعتبارات أمنية محضة وليس سياسية، فإننا وفرنا لانفسنا فرحة الفقراء الذين يكتفون بكفاف خبزهم.

ومع ذلك فإنه لا يحق لنا في حقيقة الأمر أن نقسوا على أنفسنا وننزل باللائمة عليها في واقع تكون فيه البدائل في غاية الشر. فقد وضع أبو مازن لنفسه استراتيجية نقلها الى بوش ونال المصادقة عليها، في أن هدف السلاح الواحد والسلطة الواحدة يأتي نتيجة للسياق الديمقراطي وليس مقدمة له. وبالتالي فمن الطبيعي في هذه الحالة ألا يجري أي سعي لتحديد جداول زمنية للعودة الى خريطة الطريق والمفاوضات النهائية طالما لم يُنجز هذا الهدف. بمعنى أننا نقول للولايات المتحدة وللعالم انتظرونا حتى نرتب أنفسنا داخليا وبعد ذلك نكون جاهزين للمفاوضات وللتسوية. والعالم يقول لنا تفضلوا رافقتكم السلامة.

غير أن هذه استراتيجية اضطرارية يتخذها أبو مازن لانعدام البديل. فهو يجد نفسه في دائرة مفرغة لا مخرج منها. وفي السؤال على أيهما يسبق الآخر جمع السلاح أم الاجراء الديمقراطي مصرة المنظمات المسلحة على أنه يجب البدء بالاجراء الديمقراطي مع بقاء السلاح ودون التأكيد على أن هذا السلاح سينزع بعد الانتخابات. ومع أن هذا يؤخر الدخول مجددا في خريطة الطريق وفي المفاوضات للتسوية النهائية، ويعفي اسرائيل من كل خطوة تالية في الضفة على تلك التي كانت في غزة حتى نثبت نحن جدارتنا، إلا ان بديله في ظل رفض المنظمات جمع السلاح، هو صراع داخلي كارثي.

ومع ان منطق الابقاء على السلاح يتنافى مع منطق الديمقراطية والمسيرة السلمية، الا أنه هو الآخر منطق له عقلانيته الداخلية المتماسكة. فتسليم السلاح أو نزعه مع إبقاء سلاح واحد بيد سلطة هي الحزب المناوىء في الانتخابات الديمقراطية، يعني تسليم الرقاب مسبقا للذبح دون ضمان الأمان او المشاركة في التحكم بسلاح السلطة، الذي يفترض به أن يكون سلاح الجميع، للجميع ومن أجل الجميع. ولهذا تأتي مواثيق الشرف كبديل آني للقانون ولمنطق السلطة الواحدة والحياة الديمقراطية الداخلية.

وحتى لو قبلنا هذا المنطق، فإننا سنقبل به اضطرارا، أولا لانه محق، وثانيا لانه مدخل للامان. فتوازن القوى العرضي في الساحة الداخلية هو ضمانة لعدم الاشتباك او لاحتواء كل اشتباك محتمل، كبديل عن التوازن الطولي الذي توفره الحياة السياسية في الدول الديمقراطية. أي أننا نستبدل نظام الدولة القائم على أساس فصل السلطات والحاق القوات العسكرية بالقيادة السياسية بنظام يقوم على أساس قوى سياسية وعسكرية متوازية، متوازنة وإن كانت متنافرة.

ولكننا بذلك نضحي بأمن المستقبل لقاء أمان راهن مؤقت. فالدول، هذا إذا كنا نريد أن تكون لنا دولة، لا يمكن ان تقوم على أساس اتفاقات شرف بين قوى مسلحة متضاربة ومتنافرة، حتى وان اتفقت، وأقسمت أغلظ الأيمان على أن تكون في غاية الشرف عند خوضها معركة المنافسة الديمقراطية على ساحة وإطار لا يملك أي صلاحيات حقيقية في الحكم.

ولهذا فإننا لا يمكننا أن نطالب الآخرين، الساحة الدولية أساسا، بأن تعطينا ما لا نريد نحن اصلا أن نحصل عليه أنفسنا، أي الدولة. فالدولة الفلسطينية لا يعيقها فقط وجود الاحتلال، بل يعيقها ايضا عدم استعدادنا نحن لاقامتها، سياسيا، اجتماعيا، تنظيميا واقتصاديا. وهذه أصلا هي حجة الاحتلال في البقاء رابضا فوق صدورنا متحكما بمصائرنا، دائسا على كرامتنا ومؤبدا لذلنا.

في ظل ما يسود المستوى الذي بلغه الصراع في الساحة الاسرائيلية - الفلسطينية من احادية الجانب، وفقدان الطريق وعبثه في المفاوضات وصولا الى تسوية، ناهيك عن سلام، فإن علينا نحن الفلسطينيين ألا نكتفي بفرحة الفقراء في تحقيق خدمة كلامية لخريطة تدلنا على هذه الطريق أو انجاز اعتراف باستراتيجية عقيمة اتخذناها كبديل عن عجزنا على اتخاذ الاستراتيجية الحقيقية التي ستوصلنا ليس فقط الى خريطة الطريق بل والى مقصده النهائي في الحرية والكرامة والدولة المستقلة ذات السيادة.

علينا أن نتخذ مبادرة داخلية تجد السبيل الذهبي الذي يجمع مصلحة ومنطق الاطراف في مصلحة ومنطق واحد موحد. فما لا نستطيع عمله قبل الانتخابات، من شبه المؤكد اننا لن نستطيع عمله بعد الانتخابات. وسنعود مرة اخرى الى موضوع الأمان وضمان السلامة الذي يوفره توازن القوى في ظل انعدام الثقة بين القوى المتباينة وفي إمكانية سلطة سياسية تضمن الأمان للجميع بدون تمييز.

مبادرة احادية الجانب أيضا، ولكن هذه المرة من الجانب الفلسطيني ممثلة بتوحيد كل القوات المسلحة في جيش واحد موحد تحت قيادة واحدة بما في ذلك أجهزة السلطة الأمنية. وتشكيل حكومة طوارىء إنتقالية مقلصة جدا من خمسة وزراء، أحدهم وزير الدفاع من حركة حماس يشرف على هيئة أركان موحدة تقود جيشا مهمته حماية الوطن وقيادة أمنية داخلية تضمن هي وليست مواثيق الشرف سلامة الانتخابات لانتاج مجلس تشريعي حقا يملك السيادة والسلطة الحقيقية ويفرز بعدها حكومة تكون حقا صاحبة السيادة والقادرة على اتخاذ القرارات السياسية التي تلزم الجيش وتلزم الجميع.

القدس 2005/10/21

     انتهـى         *