Al-Masdar One

   

 

مقالات عطا القيمري

 

كتب بتاريخ: 24 /حزيران/ 2005

 

 *  *  *

 

مقالات 

 

لا يريد ولا يستطيع

 

بقلم:عطا القيمري

 

من كان ينتظر أي نجاح أو إنجاز فلسطيني من لقاء القمة بين شارون وأبو مازن لا بد أنه خاب ظنه. فمثل هذا اللقاء كان محكوما أصلا بالفشل، أو على الأقل بالفتات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. فاسرائيل تشترط كل تقدم في تسهيل أمور حياة الفلسطينيين، ناهيك عن التقدم في مسيرة سلمية ذات افق بمحاربة "الارهاب"، ولكنها في نفس الوقت لا تحاربه ولا تترك الآخرين يحاربوه كونه يشكل بالنسبة لها مبرر وجود.

 

          فكيف يمكن لما تسميه إسرائيل "إرهاب" وما نسميه نحن "كفاح مسلح" أن يكون مبرر وجود لاسرائيل؟ فالكفاح أصلا جاء ليصد إسرائيل، ليلحق الهزيمة بإسرائيل، ليطرد إسرائيل، وإن شئتم في حالة مغالاة فكرية أن يدمر إسرائيل ويلغي وجودها. فكيف به يصبح مبررا لوجودها؟

 

          في ظل حياتنا في هذا الوطن البائس تختلط الكثير من الأوراق، وتتداخل الكثير من القضايا, وفي ظل سيادة الظلم والجبروت والتفرد في العالم تصبح أدنى مقاومة لهذا الظلم بالطبع "إرهابا" مشجوبا ومرفوضا تستوجب مكافحته. هذا صحيح. ولكن صحيح أيضا أن القوي لا يكتب التاريخ فقط بل ويطبع الحاضر بفكره ومصطلحاته.

 

          كما أنه في ظل اختلاط الأوراق في وطننا، وإنعدام الحد الأدنى اللازم من الصدق الثوري مع الذات، فإن الحقيقة تضيع أو على الأقل تتشوش. ولو كنا صادقين في قراءة الخريطة السياسية لتبين لنا أن إسرائيل لو لم يوجد "الإرهاب" الفلسطيني لبادرت هي إلى خلقه، بل إنها حقا كلما افتقدته سارعت الى إثارته وبعثه من جديد باستفزازاتها المتعمدة وسياستها الاعتدائية. هناك جملة من الاسئلة لو أجبنا عليها بصراحة لوجدنا أن من مصلحة إسرائيل العميقة أن يبقى الحال الكفاحي الفلسطيني في مستوى معين لا يُمحى تماما ولا يتصاعد ليهدد الوجود الكلي لإسرائيل أو حتى الوجود والأمن الشخصي للإسرائيليين. فإذا ما إنتهى "الإرهاب" فكيف ستبرر إسرائيل إمتناعها عن التوصل إلى تسوية تلبي حدا أدنى ضروريا من المصالح الوطنية الفلسطينية من خلال ما تفرضه الشرعية الدولية؟ وبالطبع فإنها لن تحتمل أن يرتفع مستواه ليهدد أمنها. وبالتالي فإن الحالة المثالية للمصلحة الوطنية الاسرائيلية هي أن يكون هذا في مستوى قابل للاحتمال وفي نفس الوقت يبرر مواصلة المكافحة المضادة والتمدد الاستيطاني والتعنت السلمي والسياسة الصهيونية في نيل أكبر قدر من الأرض الفلسطينية ومقدراتها مع أقل قدر من الظهور بمظهر السيطرة المباشرة على السكان. وكان الجدار هو الصيغة الأمثل لمثل هذه السياسة.

 

          ولا بد اننا نذكر الصيغة التي كانت تدور عندما كان يُطلب من الرئيس الراحل أبو عمار مكافحة "الإرهاب" كشرط للتقدم في التسوية. عندها كانوا يقولون عنه إنه "يستطيع ولكن لا يريد". أما الآن فانهم لا يقولون فقط عن أبو مازن الذي لا يريد ذلك حقا إنه "يريد ولكن لا يستطيع" بل يحرصون على ألا يستطيع أيضا. وكل من لديه عينان في رأسه يمكنه أن يرى ذلك بوضوح. مثلما في عهد أبو مازن كرئيس للوزراء هكذا الحال في عهد أبو مازن كرئيس للسلطة. رفضت إسرائيل تزويد السلطة أو السماح لها بشراء أسلحة متوسطة أو حتى خفيفة. مروحيتان، عدد من المجنزرات، ذخيرة للبنادق وغيرها، حتى بعد أن تبرع طرف ثالث بالقيام بالمهمة مثل روسيا وألمانيا. فلماذا؟ أوليس الإفتراض هو أنها تريد أن تقضي على "الإرهاب" أو أن تترك غيرها يفعل ذلك نيابة عنها؟ أوليس الإفتراض هو أنها ترغب في حرب أهلية تدور في أوساط الشعب الفلسطيني ليتلهى بمشاكله الداخلية عنها؟ صحيح. ولكن إذا ما قوي طرف فلسطيني بحسم، من خلال ما يستورده من أسلحة، على الطرف الآخر، فإن الحسم سيكون مضمونا لهذا الطرف، فينتهي "الإرهاب" وتنتهي معه الحجة لمواصلة السياسة الصهيونية الاستعمارية.

 

          وعليه، فإن الصيغة المثلى بالنسبة للمصلحة الصهيونية الإسرائيلية العميقة هي إبقاء نوع من التوازن بين القوى الفلسطينية المتصارعة بحيث يوحي صراعها بالفوضى وإنعدام المصداقية والنضج لنيل الدولة وإدارتها دون أن يُحسم في أي إتجاه من الاتجاهات.

 

          وفي هذا المعمعان، ما هي المصلحة الفلسطينية؟ وهنا أتحدث عن المصلحة الفلسطينية كما يراها المواطن العادي وليس كما تراها القوى السياسية ذات الفكر والنهج والسياسة الخاصة. صحيح أن من حق القوى السياسية أن تحدد المصلحة الوطنية من زاوية نظرها هي. وصحيح أنه في الوضع المثالي في الديمقراطية فإن القوة السائدة التي يختارها الشعب بأغلبيته هي التي من حقها أن تقرر ما هي المصلحة الوطنية. أما في وضعنا حيث ليس فقط ازدواجية السلطة، بل وما يسمى بالفلتان الأمني الذي تقرر فيه كل عُصبة وجماعة ما تراه مصلحة للوطن عبر فوهات بنادقها، فإن المصلحة الوطنية لا تعود موحدة، أو محوطة بأي اجماع. وهنا لا تكمن فقط مأساتنا، بل هنا مربط الفرس.

 

          المعركة مع إسرائيل، ككيان إستعماري إستيطاني توسعي عنصري، ليست حربا خاصة لأي جماعة أو حزب، بل هي معركة للشعب بأسره. والمصلحة الوطنية حقا هي ألا نجعل أي لغط حول "الإرهاب" وضرورات مكافحته يقرر جدول الاعمال . جبهة وطنية موحدة بقيادة واحدة، وقوات موحدة، وسلطة واحدة تشارك فيها بديمقراطية كل القوى، تضع لنفسها إستراتيجية مناسبة وتكتيك مناسب، وحدها هي المصلحة الوطنية. لا حروب خاصة بل حرب واحدة وطنية نجتاز بها أزمة الكفاح الوطني الراهنة بأفق من يستحق ويقدر على أن يكون له كيان سياسي وطني مستقل.

 

 علينا أن نتجلد في فترة الانتظار هذه. فإسرائيل لن تقدم أي شيء قبل نهاية مهمتها في فك الارتباط عن غزة. وهي ستفتعل مستوى مقبولا من الصراع العنيف كي تبرر لنفسها وللعالم إمتناعها عن كل تقدم في الضفة، أو الايحاء بمثل هذا التقدم بعد غزة. أما نحن فلا ينبغي لنا أن نقع فريسة سهلة  لاستراتيجيتها بردود أفعالنا المتسرعة.

 

على التهدئة أن تكون شاملة وحقيقية وأن نسعى من جهتها للقيام بكل ما نستطيع فعله من تنظيم وترتيب لبيتنا الداخلي استعدادا لتحديات ما بعد فك الارتباط في إدارة غزة ورفاه شعبها وتجسدها قدوة لدولتنا الديمقراطية العتيدة، هذا هو الضمان الموفور  الوحيد كي لا تكون غزة أولا وأخيرا.

 

القدس 24/6/2005

*      انتهــى        *