طباعة

 

 

   

المصدر الاقتصادي

نشرة اسبوعية مترجمة عن الصحف الاسرائيلية تصدر عن:

ترجمة "المصدر" عطا القيمري - القدس ت و ف: 5829882 ص.ب: 51367

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 www.almasdarone.com  

              

                                                       الجمعة 4/كانون الثاني/2013                                                    العدد1012                                                                  

           

 

 

 

"اقتصادي"*– مقال – 3/1/2013

 

"بروتوكول باريس": الاتفاق الاقتصادي الاسرائيلي – الفلسطيني

 

ومعانيه الاقتصادية

 

بقلم: د. افرايم لافي

 

مدير مركز تامي شتاينتس لبحوث السلام في جامعة تل أبيب

 

"بروتوكول باريس"، الاتفاق الاقتصادي الاسرائيلي – الفلسطيني الذي وقع في نيسان 1994، يوجد اليوم في مركز المناقشات حول الازمة الاقتصادية التي تلم بالسلطة الفلسطينية. ويحلل هذا المقال البروتوكول واثاره في سنوات 1994 – 2000 ولكن المعاني والاثار صحيحة وذات صلة سواء بالواقع والتحديات الاقتصادية التي تتصدى لها السلطة الفلسطينية اليوم أم بمنظومة العلاقات الاقتصادية التي بينها وبين اسرائيل.

 

          الفكر الاقتصادي لقيادة م.ت.ف عشية دخولها الى مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، تأثر برغبتها في أن يتحلى الكيان الفلسطيني الذي سينشأ بمزايا دولة على الطريق. وأولت القيادة اهمية شديدة للقطاع الاقتصادي انطلاقا من فهمها بان مدى الاستقلال السياسي للفلسطينيين سيكون منوطا بمدى استقلالهم الاقتصادي. وعرفت، على نحو غير صحيح، بان فرص نجاحها في اقامة حكم ذاتي مستقر ونيل تأييد السكان، منوطة بقدرتها على تجنيد مصادر مالية وادارة سياسة اقتصادية ناجعة.

 

          وترافقت الاتفاقات السياسية بين م.ت.ف واسرائيل وتفاهمات حول الحاجة الى تجنيد واسع للاموال من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة وبناء مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية. من ناحية سياسية، كانت المساعدات الخارجية الدولية تستهدف تعزيز حكم السلطة والدعم الشعبي للمسيرة السلمية من خلال تجسيد فضائل السلام وثماره للسكان. والاهداف التي تحددت كانت اقتصاد محسن، حكومة ديمقراطية وناجعة ومشاركة في التنمية الاقليمية.

 

          بمبادرة الرئيس الامريكي اجتمعت الدول المانحة في واشنطن في ايلول 1993، فور التوقيع على اتفاق اوسلو، وتعهدت بتقديم مساعدة للفلسطينيين بمبلغ 2.4 مليار دولار تتوزع على خمس سنوات، 1994 – 1998. وشكلت الدول المانحة الـ 36 وأربع منظمات غير حكومية لجنة ارتباط على عجل (Ad-Hoc Liaison Committee) ناشئة عنها لموضوع تنسيق المساعدة. واجتمعت اللجنة بين الحين والاخر بمشاركة مراقبين من السلطة ومن اسرائيل، واتخذت قرارات حول حجم المساعدة واهدافها. وشكل البنك الدولي سكرتاريا ولجنة الارتباط وكان المسؤول عن التحويل الجاري للمساعدة الى المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والاعمار (بكدار). وكان هذا المجلس اقيم في اواخر 1994 بقرار من ياسر عرفات، وكان مسؤولا عن نقل المساعدة الى الوزارات ذات الصلة بالسلطة وعن رفع التقارير وعلاقات العمل مع البنك الدولي، صندوق النقد الدولي والدول المانحة.

 

          وكانت خطة الطوارىء التي بلورها البنك الدولي لمساعدة الفلسطينيين انطلقت من فرضية عمل انه سيعقد تعاون اقليمي في مجالات البنية التحتية مثل المياه والكهرباء. وكانت تميل الى مواجهة المتطلبات العاجلة للاقتصاد الفلسطيني لضمان أسسه، وخصصت مكانا مركزيا للقطاع الخاص سواء في مجال التمويل أم في مجال تحقيق المشاريع. وكانت القيادة الفلسطينية مطالبة بالاكتفاء بمشاريع متواضعة في البنى التحتية والابقاء على صلة اقتصادية باسرائيل، رغم تفضيلها فك الارتباط عن الاقتصاد الاسرائيلي.

 

          في المداولات التي جرت في أعقاب اتفاق اوسلو لغرض ترتيب العلاقات الاقتصادية، تحدث اقتصاديون فلسطينيون، ولا سيما من بين رجال م.ت.ف الذين جاءوا من تونس، ضد استمرار العلاقة الاقتصادية مع اسرائيل وقالوا ان النظام التجاري الخاص بـ "الاتحاد الجمركي" (Customs Union) سيكون "مصيبة" للفلسطينيين وسيخلد التعلق باسرائيل. ولكن عشية التوقيع على الاتفاق الاقتصادي مع اسرائيل، اشتد ضغط رجال الاعمال الفلسطينيين من اوساط سكان الضفة الغربية والقطاع ممن طالبوا بمواصلة والابقاء على قدرة الوصول الى السوق الاسرائيلية.

 

          في نيسان 1994 وقع "بروتوكول باريس"، الاتفاق الاقتصادي الاسرائيلي – الفلسطيني، الذي رتب العلاقات الاقتصادية بين الطرفين للفترة الانتقالية التي كانت تحددت لخمس سنوات. وكان النظام التجاري الذي اتفق عليه في البروتوكول هو نظام الاتحاد الجمركي (Customs Union) الذي في اطاره تقررت وفقا لذلك، ضمن امور اخرى، الامور التالية: قوائم يسمح للسلطة الفلسطينية باستيراد البضائع المدرجة فيها؛ الانظمة المتعلقة بمواصفات البضائع المستوردة لمناطق السلطة ومعدلات الجمارك التي تنطبق عليها؛ معدل ضريبة القيمة المضافة 15 – 16 في المائة، مثل اسرائيل، مع امكانية تغييرات محدودة مقارنة مع معدل ضريبة القيمة المضافة؛ اصدار رخص الاستيراد – بمسؤولية كل طرف؛ آلية تنفيذ الاستيراد، والتي تتضمن تنفيذ المواصفات، تحديد الجمرك، اصدار الرخص – هي اسرائيلية.

 

في أعقاب الاتفاق اقيمت المؤسسات الاقتصادية المركزية للسلطة الفلسطينية: وزارة المالية التي تضم قسم الميزانيات، سلطة النقد، ومكتب الاحصاء المركزي. وتمتع القطاع البنكي الفلسطيني بدرجة عالية من الانفتاح والحرية وغياب القيود على صرف العملة، مما اجتذب مستثمرين فلسطينيين كثيرين من الخارج. وادى تبني اساليب الضريبة غير المباشرة الاسرائيلية، التي تتضمن معدل ضريبة قيمة اضافية موحدة، الى جباية ناجعة للضرائب غير المباشرة للطرف الفلسطيني.

 

اضافة الى ذلك، فقد أدى بروتوكول باريس بقدر كبير، الى تأطير الاندماج الاقتصادي مثلما كان بين الفلسطينيين واسرائيل في عهد الحكم الاسرائيلي المباشر، منذ 1967. وبقيت سوق العمل الاسرائيلية، مثلما كانت، موردا مركزيا للعمالة، وفي الايام العادية كان قرابة 60 الف شخص من سكان الضفة الغربية يعملون في اسرائيل؛ وبقيت اسرائيل هدفا اساسيا للتصدير ومصدرا اساسيا للاستيراد؛ وواصلت اسرائيل السيطرة على علاقات المواصلات والتجارة الخارجية للفلسطينيين وجباية الضرائب عن السلطة قامت بها اسرائيل. وكان لاسرائيل سيطرة على قسم كبير من القرارات الاقتصادية المركزية، مثل العملة، معدلات الجمارك، الفائدة، المواصفات. وأدت التطورات على الارض الى أن اصبح الاتحاد الجمركي غير متماثل: حواجز، تصاريح، تفتيشات وقيود مختلفة على حركة العمل والبضائع، الامر الذي منع عن المصدرن الفلسطينيين قدرة وصول كاملة الى السوق الاسرائيلية والى الاسواق الاجنبية، وجمدت اسرائيل بين الحين والاخر المداخيل من الضرائب التي كان يستحقها الفلسطينيون.

 

بحث أجراه البنك الدولي في أواخر 1999 وجد أن التجارة بين اسرائيل والفلسطينيين والتي جرت حسب بروتوكول باريس كانت مشوهة في صالح اسرائيل بالنقاط التالية:

 

$11.    تفضيل التجارة في صالح اسرائيل – حسب بروتوكول باريس فان بضائع وخدمات اسرائيلية معفية من الجمارك مقابل بضائع من الخارج حجم الجمارك والرسوم عليها هو نحو 50 في المائة بالمتوسط.  وتخلق هذه السياسة حماية كبيرة للبضائع المحلية وتمس بالتجارة مع باقي العالم. ولهذا السبب نشأ تفضيل للتجارة مع اسرائيل.

 

$12.    تمنح منظومة الجمارك والرسوم حماية لنشاطات اقتصادية معينة في أنها تخلق اختلافا بين فرع ما وغيره في الاقتصاد. ولا يشجع هذا الوضع الاستثمار والتجارة اللازمين للنمو الاقتصادي، بل ويتفاقم بسبب الكلفة العالية للتجارة التي تتسبب بها السياسة الامنية الاسرائيلية. وهكذا مثلا ينعكس الامر في كلفة النقل التي تضيف نحو 35 في المائة في المتوسط على سعر المنتج مقابل نحو 15 في المائة فقط في باقي الشرق الاوسط (حسب المعطيات التجارية للعام 1998).

 

$13.    القيود على التجارة مع الدول العربية (باستثناء قوائم محدودة من انواع من البضائع) تجعل من الصعب بشكل كبير تنمية التجارة الفلسطينية.

 

وأوصى البنك الدولي باقامة منظومة جديدة لتوزيع المداخيل من أجل تقليص تسرب الضرائب بين السلطة واسرائيل. اضافا الى ذلك، أوصى صندوق النقد أن تجري السلطة مفاوضات مع اسرائيل على توسيع قائمة المنتجات التي يسمح لها باستيرادها؛ ان تغير منظومة الضريبة وتنتقل من التعلق بالضرائب غير المباشرة الى الضرائب المباشرة؛ ان تلغي الحسم الذي تنفذه اسرائيل بمعدل 25 في المائة من ضريبة الدخل للعمال الفلسطينيين في اسرائيل.

 

          ويتبين من البحث الذي أجراه البنك الدولي بان الاثار الاساسية على الاقتصاد الفلسطيني كانت كلفة التجارة العالية التي نبعت من الحاجة الى نقل البضائع عر اسرائيل والمعاملة المفضلة للبضائع الاسرائيلية. وعليه فقد اوصي بان يصل الفلسطينيون الى "انسجام" للجمارك الخارجية (اي تشبيه الجمارك بين اسرائيل والخارج من خلال رفعها تجاه اسرائيل او تخفيضها تجاه الخارج)، وكذا أن تلغى المعاملة المفضلة للبضائع الاسرائيلية.

 

          مصاعب وعلل في ادارة الاقتصاد

 

          في غياب التخطيط الاقتصادي للمدى المتوسط والبعيد، وغياب عنوان موحد مسؤول عن التنسيق والادارة النشاط المتعلق بتحويل المساعدات وتوجيهها الى الاهداف المختلفة، تميز النشاط الاقتصادي في السلطة بتبعثر الصلاحيات ومجالات المسؤولية بين الوزارات المختلفة (الاقتصاد والتجارة، المالية، التخطيط والتعاون الدولي). كما ان الصراعات الداخلية بين وزراء السلطة في مسألة اي وزارة يجب أن تكون مسؤولية عن تلقي المساعدات وتوجيهها الى الاهداف المختلفة، اضافت الى المصاعب في تحويل الاموال، التي كانت تكمن في غباب اجهزة خبيرة وناجعة وانعدام التجربة في مجال الادارة الاقتصادية في الطرف الفلسطيني. ووجدت السلطة صعوبة في أن تلتزم بالشروط التي طالبتها بها الدول المانحة من حيث الشفافية (Transparency) والمحاسبة (Accountability) في عملية تحويل الاموال واستغلالها عمليا. وكانت النتيجة فجوة واسعة بين الالتزامات المعلنة وبين التحويلات المالية الفعلية.

 

          ولم تسمح هذه المصاعب بالاخراج الى حيز التنفذ معظم المشاريع التي وردت في الخطة الخماسية. فقرابة 40 في المائة من الاموال (نحو 1 مليار دولار) وصلت في اعوام 1993 – 1998 خصصت لتغطية العجوزات في ميزانية الدولة، واكثر من 60 في المائة (نحو 1.5 مليار دولار، استثمرت في مشاريع مختلفة. ولم ينسجم سلم اولويات الدول المانحة في تخصيص المساعدات الى اهداف وقطاعات مختلفة، مع احتياجات التنمية للفلسطينيين. وهكذا مثلا، فان الصناعة، الزراعة والبنى التحتية، التي وضعت في رأس خطة التنمية للفلسطينيين، حظيت بمساعدة محدودة. قسم هام من المساعدات خصص للمجالات الفنية، مثل دورات التأهيل المهني واستكمال التأهيل للموظفين، لكبار رجالات الادارية، لافراد الشرطة وللسجناء المحررين. وتمت الدورات والتأهيلات، في الغالب، من قبل فرق خبراء من الخارج، وكانت اموال المساعدات لهذه الاغراض تمول كلفة اجورهم.

 

          احيانا، تأثر سلم الاولويات في تخصيص المساعدات بجدول الاعمال السياسي للدول المانحة. وهكذا، اعطيت في المساعدات الامريكية التي نقلتها وكالة التنمية الدولية (USAID) التابعة لوزارة الخارجية الامريكية، اعطيت اولوية لمشاريع تنمية الديمقراطية (democratic development) بينما كانت المستفيدة الاساسية منها هي المنظمات غير الحكومية، التي كيفت نفسها، سواء بارادتها أم بحكم الاضطرار، مع جدول اعمال الممولين. عشرات عديدة من المؤتمرات، ورشات العمل والايام الدراسية اجرتها هذه المنظمات في مواضيع مثل حكم الاغلبية وحقوق الاقلية، او دور المواطن والمجتمع المدني كعوامل تكمل منظومات الحكم. وشكلت هذه النشاطات استمرارا للكفاح الذي بدأ في السنوات التي سبقة اقامة السلطة الفلسطينية الفلسطينية، لادخال مفهوم الحكم الصالح (good governance) الى المجتمع الفلسطيني.

 

          وكادت السلطة الفلسطينية لا تؤثر على سلم اولويات المانحين. وفي عقدة اللجان التي تشكلت لغرض التنسيق بين المانحين والسلطة في تحويل المساعدات، وجهتها وشكل تخصيصها، تجمعت معظم الصلاحيات والمناصب الاساسية في ايدي ممثلي البنك الدولي، فيما أنه كان لممثلي بكدار تأثير ضيق على اتخاذ القرارات. ضعف الطرف الفلسطيني في هذا المجال تأثر ايضا بالخصومات والتوترات الداخلية بين الوزارات الاقتصادية في السلطة، بينها وبين بكدار وبين الاقسام المختلفة في بكدار والتي عكست، ضمن امور اخرى غياب التخطيط الاقتصادي المركزي للمدى البعيد في السلطة.

 

          وألحق فرض الاغلاقات وغيرها من القيود الاسرائيلية لاعتبارات أمنية، الاضرار بالاقتصاد الفلسطيني. وفقد العديد من العمال الفلسطينيين أماكن عملهم في اسرائيل، واضرت ازمة البطالة المستمرة بالعائلات والمشاغل، بالتجار ورجال الاعمال. وكانت الخسارة المتراكمة جراء الاغلاقات في سنوات 1993 – 1997 أعلى بالضعفين من عموم المساعدة التي حولها المانحون الى الفلسطينيين. وفي اوساط المانحين نشأ احساس بان المساعدة التي ينقلونها لا تحقق اهدافها في اعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني وتثبيته، مما أثر سلبا على استعدادها لتقديم المساعدات.

 

          الى جانب المصاعب آنفة الذكر، والتي منعت القيادة الفلسطينية من تنفيذ نواياها الاولية في تحويل الاقتصاد الفلسطيني الى مؤسسة اقتصادية مستقلة، فشلت القيادة في ادارة سياسة اقتصادية سليمة. وبين ظواهر الفساد المؤسساتي، برزت ظاهرة الاحتكارات التي أدت الى تركيز اساس القوة الاقتصادية في أيدي مجموعة ضيقة من كبار المسؤولين الفلسطينيين واضرت بالقدرة على ايجاد اقتصاد حر. فقد سمحت قيادة السلطة باقامة احتكارات اقتصادية في مجالات مثل الاسمنت، الطحين، الحديد، من قبل اصحاب مناصب رفيعة في السلطة، بمن فيهم رؤساء أجهزة الامن، واقامت هيئات اقتصادية تصرفت كاحتكارات رسمية، منها سلطة الوقود وسلطة التبغ. وسمحت طريقة الاحتكارات للسلطة بان تجمع في ايديها معلومات عن المشتريات التي تمت في اسرائيل أو عبرها كالوقود وغيرها من البضائع، كي تحصل على معظم المردودات المالية من ضريبة القيمة المضافة، الجمارك وضريبة البلو، التي تجبيها اسرائيل. وشكلت هذه المردودات اساس دخل السلطة من النشاط الاحتكاري الذي ادارته هي وبتكليف منها.

 

          الخلاصة

 

          تطلع قيادة م.ت.ف الى ان تكسب السلطة الفلسطينية، منذ تأسيسها مزايا دولة على الطريق، ونيتها الوصول الى استقلال اقتصادي انطلاقا من التفكير بان في هذا يتعلق مدى الاستقلال السياسي للفلسطينيين – تبدد. مزايا الاقتصاد الفلسطيني لم تتغير بقدر كبير في السنوات الاولى من الحكم الذاتي (1995 – 2000) مقارنة بعهد الحكم الاسرائيلي. ففي القطاع الخاص بقي معظم العاملين في الصناعة الصغيرة، في الخدمات وفي الزراعة. وبقي غياب الاستثمارات، الانتاج المتدني، مستوى الاجر المتدني وشروط العمل المتردية، العلائم البارزة للاقتصاد. فلم تنشأ أماكن عمل للمنضمين الجدد، للعاملين القدامى ولاولئك الذين فقدوا عملهم في اسرائيل. وكان القطاع العام الذي اقامته السلطة هو رب العمل الاكبر في الاقتصاد: في نهاية 1996 كان عدد العاملين فيه نحو 75 الف، وفي نهاية 1997 ارتفع عددهم الى 100 الف شكلوا اكثر من 17 في المائة من عموم قوة العمل الفلسطيني؛ ولغرض المقارنة ففي عهد حكم اسرائيل عمل في مكاتب الادارة المدنية نحو 6 في المائة فقط من قوة العمل الفلسطينية. وشذ القطاع العام، الذي هو غير منتج في جوهره، في حجمه عن احتياجات السلطة وزاد حجم النفقات الحكومة التي تدفقت في معظمها لدفع الرواتب. وانعكست النتائج بالجداول التي تشير الى امور كالدخل للفرد، الانتاج للفرد، حجم الاستثمارات الخاصة ونصيب التصدير في الناتج القومي الخام. هذه الجداول كانت تشير الى الانخفاض في الفترة موضع البحث.

 

          في هذه الظروف والتي ادير فيها الاقتصاد الفلسطيني تحت الحكم الذاتي، اتيحت تنمية اقتصادية واجتماعية محدودة فقط، رغم المساعدات الاجنبية. واضر تمركز الاقتصاد في نشاط القطاع الخاص وقيد فرص النمو الاقتصادي لانه منع المنافسة، النجاعة وتخفيض الاسعار في المجالات التي انتهج فيها نظام الاحتكارات.ومنع غياب هيئة للتخطيط الاقتصادي وانعدام التنسيق بين الوزارات الاقتصادية في السلطة من بلورة سياسة اقتصادية وتخطيط اقتصادي للمدى المتوسط والبعيد.

 

          د. سميح العابد، مدير عام وزارة التخطيط والتعاون الدولي شرح بان مصاعب التنمية الاجتماعية تنبع ضمن امور اخرى من الحجم المحدود لبناء المختبرات، معاهد البحث العلمي، مراكز التكنولوجيا والمكتبات العامة، ومن النقص في المعلمين، الممرضات والعاملين الاجتماعيين.

 

          فضلا عن كل هذا، واصل التأثير على التنمية الاقتصادية والاجتماعية ايضا حقيقة كون المجتمع تقليدي، بقيت الزراعة مصدرا أساسيا لانتاجها وتصديرها، رغم الانخفاض الذي كان على مدى سنوات الاحتلال في عدد المزارعين. وفي ظل غياب المرجعية العليا وسياسة تنمية اجتماعية شاملة وذات رؤيا بعيدة المدى فقد استمر بقدر كبير الوضع الذي ساد تحت الحكم العسكري الاسرائيلي: ضعف التنسيق في مجالات العمل بين الهيئات المدنية في القطاع العام والقطاع الخاص، تقلص الدور الذي كان يمكن أن تؤدي المؤسسات ومنظمات الاغاثة الاجتماعية، المحلية والاجنبية، في مجال التنمية الاجتماعية.

 

          ولم يؤدِ اقتصاد الحكم الذاتي الذي تميز بالاقتصاد المركزي، القطاع العام المضخم وغير الناجع، وسياسة الاحتكارات، الى نحو اقتصادي وتحسن في رفاه السكان. ولم تحقق المساعدات الدولية اهدافها في اقامة اقتصاد محسن، حكم ديمقراطي ناجع وانخراط في التنمية الاقليمية.  وبقيت الخطط التي بلورها اقتصاديون واكاديميون من "الداخل" وكذا النموذج السنغافوري الذي تحدثت عنه القيادة الفلسطينية مثابة وهم بعيد. ووجدت أزمة التوقعات التي نشأت بين السكان تعبيراتها في الخطاب الجماهيري النقدي وفي انخفاض مستوى التأييد للمسيرة السياسية. اضافة الى ذلك، لم تؤدي الازمة، تقريبا، الى تراص جماهيري من الاسفل للاقتصاديين، المزارعين، رجال الصناعة والخدمات من اجل تغيير الامور.

 

*  *  *

 

هآرتس/ذي ماركر– مقال – 3/1/2013

 

المفتاح للثقب الاسود

 

بقلم: تسفي بارئيل

 

تهديد محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية بتسليم مفاتيح المحل لبنيامين نتنياهو لم يحظَ بعد برد فعل رسمي ولكنه بات مجديا ادخل اليد الى الجيب للفحص اذا كان يوجد فيه مال لادارة هذا المحل. فلعباس لا يوجد مال وما سيورثه لاسرائيل لن يكون فقط صندوق فارغ العجز فيه يصل الى نحو مليار دولار، بل ونحو 150 الف موظف دولة يتلقون الرواتب من الهواء الذي في الصندوق الفلسطيني ايضا. صندوق يفترض أن يغطي نفقات حكومية بمبلغ نحو 3.5 مليار دولار.

 

وكانت هذه النفقات تغطيها في معظمها التبرعات من الاتحاد الاوروبي ومن الولايات المتحدة وفقط نحو 750 مليون دولار كانت تأتي من الضرائب التي جاء قسم كبير منها من الرسوم الجمركية التي تجبيها اسرائيل نيابة عن السلطة، ضريبة القيمة المضافة والقليل من ضريبة الدخل. واذا رغبت اسرائيل في ان تبقي فقط – لا ان تطور – الخدمات العامة، فانها ستضطر ليس فقط الى أن تقلص 15 مليار شيكل من ميزانيتها المثقوبة بل وأن تجد نحو 15 مليار شيكل آخر كي تبقي على الذخر الفلسطيني.

 

بحث أجراه المعهد الفلسطيني للسياسة الاقتصادية عرض في الاسبوع الماضي بضع نتائج مقلقة اخرى عن الميزانية الفلسطينية. وهكذا فان السلطة تعاني من خسارة نحو نصف مليار دولار من المداخيل بسبب التهرب من الضريبة، الرقابة غير الكافية على التجار والمنتجين ومحاسبات اهمالية مع المكلفين. والنتيجة هي أن معدل ضريبة الدخل الذي تجبيه السلطة يصل الى نحو 7 في المائة فقط من اجمالي المداخيل من الضرائب. ويشكل العبء الامني نحو 31 في المائة من الميزانية، وتقتطع النفقات على الصحة 11 في المائة والتعليم 19 في المائة. اما الدين العام على السلطة فيصل الى معدل هائل من 25 في المائة من الناتج المحلي الخام.

 

اذا عادت اسرائيل الى الاحتلال المباشر فانه سيكون بوسعها نظريا أن تفرض ضرائب جديدة وعالية على الفلسطينيين، شريطة أن تلغي كل الاتفاقات الاقتصادية التي وقعتها مع السلطة. وهكذا، حسب الاتفاقات، لا يمكن للسلطة أن تفرض ضريبة قيمة مضافة بمعدل ادنى من 2 في المائة مما هو متبع في اسرائيل. وبدون الاتفاقات يمكن لاسرائيل أن تفرض 2 في المائة اضافيين. كما أن السلطة تجبي 15 في المائة كضريبة شركات، بينما في اسرائيل تتبع ضريبة شركات بمعدل 25 في المائة.

 

وحسب أنظمة ضريبة الدخل الجديدة، التي دخلت حيز التنفيذ في المناطق في بداية السنة، تقررت خمس شرائح ضريبية للمواطنين. الشرائح الثلاثة الدنيا ستدفع بين 5 و 15 في المائة، فيما أن اصحاب المداخيل فوق 80 الف شيكل في السنة سيدفعون 30 في المائة ضريبة (15  في المائة حسب الانظمة السابقة) – ولكن لما كان متوسط الدخل للفرد يصل الى اقل من 2.000 دولار في السنة، فسيكون لهذا التعديل اثر هامشي على مداخيل السلطة. اما اذا قررت اسرائيل تشبيه مستوى الضريبة في المناطق بذاك المتبع في اسرائيل، من أجل تغطية نفقات السيطرة المباشرة، فمضمونة لها انتفاضة ثالثة.

 

فهذه الانظمة التي سنتها السلطة كي ترضي متطلبات الدول الاوروبية، اثارت مقاومة هائلة. والمظاهرات العاصفة التي اندلعت في بداية العام 2012 في نابلس أدت الى الغاء قسم كبير من الخطة الاقتصادية التي اقترحها سلام فياض، رئيس وزراء السلطة.

 

قبل ثلاثة اشهر، بعد نشر قانون الضرائب الجديد، اندلعت مرة اخرى اضطرابات ووجه انتقاد لاذع الى السياسة الاقتصادية في السلطة. وقرر فياض هذه المرة ايضا الاستجابة الجزئية للضغط، فخفض معدل ضريبة القيمة المضافة والغى غلاء السولار. ولكنه اضطر هذا الشهر الى أن يقترض من البنوك في الضفة 100 مليون دولار آخر كي يدفع الرواتب ويتصدى للعقوبة الاسرائيلية، التي جمدت أموال الضرائب بحجم نحو 120 مليون دولار.

 

اسرائيل، التي خرجت عن طورها حين تجرأ عباس على التوجه الى الامم المتحدة وطلب الاعتراف بدولته، واثقة من أن خيار العقوبات الذي يمكنها أن تفرضه على السلطة ناجع بل ومظفر ايضا. إذن ها هو عباس يأتي ليهدد بان يسلمها دولته الجديدة. دولة مبطنة بالديون ومأهولة بـ 3.5 مليون مواطن يحتاجون الى الرزق.

 

فجأة سيتبين لاسرائيل بان هذا هو العقاب الاشد الذي ستدفع هي بالذات ثمنه. يمكنها أن تواسي نفسها بانها لم يعد من واجبها الحرص على اعالة مواطني غزة. في واقع الامر هذا ايضا ليس دقيقا. فقسم من الرواتب والخدمات تدفع في غزة من صندوق السلطة. وسيكون من قبيل المفارقة الشديدة أن نرى وزير المالية الاسرائيلي يوقع على الشيكات لافراد الشرطة الفلسطينيين في الضفة وموظفي حكومة اسماعيل هنية في القطاع. اما الضحك، بالطبع، فسيكون على حسابنا.

 

*  *  *

 

هآرتس– تقرير – 31/12/2012

 

دولة أقطاب

 

تقرير مركز أدفا عن عدم المساواة في اسرائيل

 

بقلم: هيلا فيسبرغ وليئور ديتال

 

يكشف التقرير السنوي لمركز أدفا النقاب عن معطى مفاجىء: اكبر المتضررين للعام 2011 كانوا بالذات أغنياء اسرائيل. فبينما كانت مداخيل معظم السكان مستقرة أو تقلصت قليلا، فان مداخيل العشرية العليا تقلصت بليس أقل من 7.4 في المائة، ومداخيل المائية العليا بليس اقل من 20 في المائة.

 

          ومع ذلك، فان وضع أغنياء اسرائيل بعيد عن أن يكون سيئا. فاذا كان الاقتصاد المنزلي في المائة العليا كسب في العام 2010 ما مجموعه 106 ألف شيكل في الشهر، ففي السنة التالية، التي تضمنت احتجاج الصيف والانخفاضات الكبرى في السوق المالية، جعل الاجير من المائية العليا لا يحمل الى بيته "سوى" 85 الف شيكل شهري. هذا الرواتب الكبرى تعكس أكثر من اي شيء آخر مستوى عدم المساواة الاخذ في الاتساع في اسرائيل: المائة العليا تكسب ست اضعاف أكثر من اعضاء العشرية السادسة (اي الطبقة الوسطى) وليس أقل من 13 في المائة من أعضاء العشرية الثانية – اي الطبقة الدنيا.

 

          الجواب على سؤال كيف نحقق الحلم ونتحول الى مائية عليا بسيط: نتحول الى مدير عام شركة بورصة. فمدير عام كهذا حصل في العام 2011 بالمتوسط على مجموع 539.9 الف شيكل في الشهر – أي 60 ضعف متوسط الاجر في الاقتصاد (قرابة 9 الاف شيكل) و 130 ضعف ذاك  العامل المقاول الذي ينظف مكتبه ويكسب حد أدنى من الاجور (4.300 شيكل).

 

          اذا كانت الطبقة العليا تضررت في الهوامش فان الطبقة الوسطى تواصل التآكل. ففي العام 1988 اعتبرت 33 في المائة من العائلات طبقة وسطى. اما في العام 2011 فتقلصت الى 27 في المائة. ويقول كاتبا التقرير، مدير مركز أدفا د. شلومو سبرسكي وايتي كونور – اتياس، ان "الاقتصاد تطور بشكل تآكل فيه الاجر في بعض من الفروع فيما ارتفع في اخرى – مثل التكنولوجيا العليا والمالية – جدا. وهكذا فان عدم المساواة آخذ في الازدياد".

 

          وضع الرجال من أصل اشكنازي (غربي) حسب التقرير كان افضل من وضع الاخرين: ففي العام 2011 كان الدخل الشهري للاجيرين الاشكناز المدينيين اعلى بـ 33 في المائة من متوسط الرجال المدينيين بشكل عام. اما الرجال الشرقيون فلا يكسبون سوى 7 في المائة فوق المتوسط. فيما أن دخل المدينيين العرب بالمقابل ادنى بـ 33 في المائة من المتوسط. ويدور الحديث عن مؤشر آخر على عدم المساواة المتزايد بين القطاعات السكانية المختلفة في اسرائيل.

 

          اسرائيل هي احدى الدول التي يعد فيها الانفاق على التأمين الصحي الخاص الاعلى في العالم. بالمقابل ثمة انخفاض متواصل في النفقات العامة على الصحة. والمعنى هو أننا كلنا ندفع أكثر في تطلع الى الحصول على علاج افضل وطوابير اقصر.

 

          وبشكل غير مفاجيء، فان الاغنى يشترون ايضا تأمينات صحية خاصة أكثر. فالانفاق الشهري في العشرية العليا  ازداد في العام 2011 من 457 شيكل الى 523 شيكل؛ بالمقابل فان نفقات العشرية السادسة تقلصت قليلا (من 227 شيكل الى 223 شيكل) ونفقات العشرية الثانية ازدادت بـ 7 شيكل في الشهر (من 103 شيكل الى 110 شيكل). والمعنى بسيط: من يمكنه أن يسمح لنفسه بتأمينات خاصة أكثر حيال جهاز الصحة المنهار، يفعل ذلك عمليا ويحظى بخدمة أفضل بكثير من ذاك الذي لا يستطيع أن يدفع لقاءها.

 

          الناتج المحلي الخام للفرد هو أحد المعايير للنمو. إذ يتبين أنه في العقد الاخير ليس لاسرائيل ما يدعوها الى الافتخار كثيرا. فحسب تقرير ادفا فان الارتفاع في الناتج المحلي الخام للفرد في اسرائيل في العقد الاخير كان 1.6 في المائة فقط. ولغرض المقارنة فان الارتفاع الذي سجل في الصين كان 10 في المائة، وفي بولندا 4.2 في المائة. وبالمقابل كان الناتج المحلي الخام للفرد في الولايات المتحدة 0.7 في المائة، وفي المانيا 1.2 في المائة. "في هذه الدول كان الناتج المحلي الخام للفرد عاليا منذ البداية منه في اسرائيل" كما يتحفظ كاتبا التقرير. "نحو 44 الف دولا في المانيا ونحو 48 الف دولار في الولايات المتحدة مقابل نحو 31 الف دولار فقط في اسرائيل".

 

          يوجد مال، لا توجد استثمارات

 

          الاستثمارات في الاقتصاد الاسرائيلي هي أيضا مصدر للقلق، ولا سيما اذا قارناها بالدول الرائدة في الـ OECD. وحسب التقرير تتوزع الاستثمارات في اسرائيل بشكل غير متساوٍ بين القطاعات المختلفة وتتركز في عدد صغير نسبيا من الفروع الاقتصادية. وبين 1995 و 2010 ارتفع اجمالي الاملاك المالية التي لدى الجمهور (ارصدة البنوك، الاوراق المالية، التوفير التقاعدي والتأمين على الحياة)، ثلاثة اضعاف فما فوق؛ ولكن في نفس الفترة ازدادت الاستثمارات المحلية الخام في الاملاك الثابتة (المباني، العتاد، الالات) بـ 1.24 ضعف فقط.

 

          والمعنى واضح: "يوجد مال في البلاد"، يقول سبيرسكي، "ولكنه لا يستثمر بما فيه الكفاية في الاقتصاد الحقيقي، كالصناعة مثلا. وفضلا عن ذلك، فان الاستثمارات تتجه في معظمها نحو المركز وبقدر أقل بكثير نحو المحيط، وهذا جزء من السبب في أننا لا نرى ارتفاعا كافيا في الناتج المحلي الخام للفرد. وكان شعار السياسيين هو أن النمو سيحل مشاكلنا الاجتماعية – ولكن تقلص الطبقة الوسطى في العقد الاخير يشير الى أن قسما هاما من السكان لا يتمتعون به حقا. هذا علامة استفهام لاصحاب القرارات في اسرائيل".

 

          "الاقتصاد الاسرائيلي، مثل العديد من الاقتصادات الاخرى في العالم، اجتاز عملية التحول المالي"، يقول سيبرسكي وكونور – اتياس. "هذا جيد لاقلية بين السكان، ولكنه ليس جيدا لاغلبية السكان". ويسعى الكاتبان الى الاشارة الى أن قسما من المال الذي تراكم في اسرائيل لا يستثمر في نطاقها، بل في خارج البلاد. وعلى حد قولهما، فان "النقاش الجماهيري في النمو تركز في السنوات الاخيرة على قلة مشاركة الجمهور الاصولي والنساء العربيات في سوق العمل. ومقابل ذلك فان النقاش في حقيقة أن الثراء المالي الجديد لا يولد ارتفاعا كبيرا في الاستثمارات في الاقتصاد الحقيقي في اسرائيل – والكفيل بان يزيد سوق العمل – يكاد لا يكون قائما".

 

          28.8 في المائة من الشبيبة لديهم فرصة للشهادة الجامعية

 

          التعليم هو أحد العوامل التي يفترض فيه ان يغطي فجوات عدم المساواة والسماح بالريادة الاجتماعية. اما عمليا فيتبين أنه صحيح للعام 2011، فان أغلبية الطلاب في اسرائيل هم يهود من البلدات الاكثر يسرا، وكلما كانت البلدة اكثر يسرا، هكذا فان عددا اكبر من الشباب فيها يتعلمون للحصول على الدرجة الجامعة الاولى.

 

          وتبين مراجعة الارقام معطيات مقلقة: 28.5 في المائة فقط من أبناء الشبيبة الذين كانوا ابناء 17 في 2002 بدأوا يتعلمون في الجامعة أو في كلية حتى 2010. وفرص ابناء الشبيبة في اسرائيل متدنية منذ البداية – نحو 60 في المائة منهم لا توجد شهادة ثانوية على الاطلاق، او أن الشهادة ليست جيدة بما فيه الكفاية كي يتقدموا بطلب للانضمام الى جامعة أو كلية.

 

          وحتى فرص التلاميذ اليهود في بلدات الطبقة الوسطى في الوصول الى الاكاديمية ليست عالية: 35.3 في المائة فقط من ابناء الشبيبة في بلدات الطبقة الوسطى من اليهود ممن أنهوا الثانوي في 2003 وصلوا الى الاكاديمية. وضع التلاميذ في بلدات الطبقة الادنى اسوأ بكثير: ربعهم وصل الى الاكاديمية. نحو نصف التلاميذ اليهود – 48 في المائة – تعلموا في البلدات الاكثر يسرا في اسرائيل (عنقود اجتماعي – اقتصادي 8- 10). ومع ذلك فان معدل الشباب اليهود الذين بدأوا يتعلمون في الاكاديمية يكاد يكون ضعف الشباب العرب. هذا المعطى لا يؤكد الوضع الجيد للجمهور اليهودي مثلما لا يؤكد الوضع السيء بشكل خاص في اوساط الجمهور العربي.

 

          16 في المائة فقط من اولئك الذين يسكنون في البلدات غير الميسورة وصلوا الى الاكاديمية. وفي بلدات الطبقة الوسطى والميسورة نسبيا، 29 في المائة فقط قبلوا في الدراسة العليا. ولا تتضمن المعطيات التعليم في خارج البلاد، في الجامعة المفتوحة وفي كليات التربية.

 

          ويجدر بالذكر ان الكليات الاكاديمية فتحت في التسعينيات في اسرائيل كي تتاح فرص التعليم العالي في المحيط ايضا. ومع أن معدل الطلاب ارتفع جدا، ولكن حسب مركز أدفا فان معظم الطلاب في الكليات وفي الجامعات لا يزال يأتون من البلدات الميسورة.

 

          في ثلاث بلدات ميسورة جدا – كفار شمرياهو، سفيون وميتار – كان معدل الطلاب للدرجة الجامعية الاولى هو الاعلى، اكثر من 47 في المائة. اما المتوسط القطري، لغرض المقارنة، فهو 14.2 من عموم الطاقة الكامنة في البلدة. وتشكل المستوطنات هي ايضا موردا قطاعيا أول في درجته – في مستوطنة افرات، 39.2 في المائة من الشباب يتعلمون للدرجة الجامعة الاولى وهكذا ايضا 28.9 في المائة من الشباب في الكنا. وتتجاوز هذه البلدات بلدت ميسورة مثل رمات هشارون (26.5 في المائة)، هرتسيليا (20.7 في المائة)، رعنانا (28.7 في المائة) وتل أبيب ورمات غان (نحو 15 في المائة).

 

           ومثلما في كل جدول مقارنة، فان البلدات الاصولية والعربية توجد في أسفل القائمة: اقل من 1.5 في المائة من الشباب في موديعين عيليت وفي جسر الزرقاء يتعلمون للدرجة الجامعية الاولى.

 

          القدس التي يتزايد فيها عدد الاصوليين، تسجل رقما أدنى من المتوسط (8.3 في المائة). والجنوب يبتعد في الخلف ولا يقترب من بلدات المركز: في يروحام يتعلم 9.3 في المائة من الشباب للدرجة الجامعية الاولى، في نتيفوت (10.6 في المائة)، في اوفكيم (10.7 في المائة)، في ايلات (12.1 في المائة) وفي ديمونا (13 في المائة). وكتب اعضاء أدفا يقولون ان "السبيل المستقيم للمستقبل الشخصي والاجتماعي الافضل هو اقتناء التعليم والتعليم العالي. غير أنه لقمة الهرم – التعليم الاكاديمي – لا تصل الا الاقلية".

 

*  *  *

 

اسرائيل اليوم – تقرير – 2/1/2013

 

المعركة على المعطيات

 

بقلم: شلومو تسزنا وزئيف كلاين

 

الاقتصاد الاسرائيلي يعود الى جدول الاعمال في الانتخابات، والمعركة الكبيرة بين حزب العمل وشيلي يحيموفتش وبين الليكود ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، هي حول المعطيات. فقد عقدت يحيموفتش في تل أبيب مؤتمرا صحفيا يوم أمس هاجمت فيه السياسة الاقتصادية للحكومة. وبالمقابل، نشرت المالية معطيات تفيد بان اسرائيل هي الاولى في الغرب في السنوات الاربعة الاخيرة من حيث وتيرة النمو.

 

     وعرضت رئيسة العمل الاجراءات المرتقبة التي سيتخذها نتنياهو بعد الانتخابات، الى جانب الميزانية البديلة التي يتقدم بها العمل. وفي التوقع الذي نشرته يحيموفتش جاء أن نتنياهو سينفذ تقليصا عرضيا بمعدل 5 في المائة في كل الوزارات الحكومية. وستضر هذه التقليصات على حد قولها بالمواطنين بشكل مباشر، في الصحة، في التعليم وفي الرفاه الاجتماعي. وهكذا مثلا سيلغى قانون التعليم الالزامي المجاني من عمر 3 – 4 سنوات، وسترفع رسوم التعليم في الجامعات بـ 50 في المائة. وستقلص سلة الادوية بـ 20 في المائة. وسترتفع الرسوم لقاء زيارة الطبيب في صندوق المرضى بـ 50 في المائة. وستتقلص ميزانيات منح التوازن للسلطات المحلية كما ستقلص بـ 20 في المائة اموال الدعم للحضانات النهارية للاطفال. وحسب يحيموفتش من المتوقع ايضا تخفيض المخصصات بـ 5 في المائة وتقليص مليارات في المواصلات وفي البنى التحتية.

 

          "نتنياهو مسؤول عن الحفرة في الميزانية بمقدار 20 مليار شيكل. فكيف يشرح نموا قويا بهذا القدر عندما يكون المواطنون ضعفاء بهذا القدر؟"، سألت يحيموفتش. وعلى حد قولها، "فعلى كل امرء ان يسأل نفسه اذا كانت الحياة اصبحت اكثر بساطة. وهل ازداد الامن الوظيفي؟ وهل بات اسهل شراء شقة؟ ولماذا ارتفعت اسعار الغذاء 6 في المائة – معدل ارتفاع اسعار الغذاء الاعلى في العالم؟".

 

          يحيموفتش: "سأقلص الضرائب"

 

          وقالت يحيموفتش ايضا: "نحن نقترح مذهبا فكريا اقتصاديا مختلفا. فنحن سنقلص الضرائب على الطبقة الوسطى من خلال ضريبة القيمة المضافة المتدرجة. نحن لن نضر بالاعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة، بل سنقترح بشكل معلل سلسلة مصادر اخلاقية واقتصادية لملء الحفرة التي حفرها نتنياهو بكلتي يديه". وقالت انه "اليوم فقط نشهد سلسلة من النذر بالغ الشؤم، من غلاء الماء، الكهرباء، وكل شيء تتشكل منه حياة الانسان العادية، وما نراه اليوم ليس سوى المقدمة لما هو مرتقب في اليوم التالي للانتخابات".

 

          وشرحت يحيموفتش بان توقيت المؤتمر الصحفي هو الاول من كانون الثاني، الذي كان يفترض أن تدخل فيه ميزانية الدولة السنة الجديد. "لقد توجهنا الى الانتخابات بسبب ميزانية الدولة لان نتنياهو فضل ذلك لثقتي انه سيعاد انتخابه، وبالتالي سيتمكن من تمرير ميزانيته المريرة".

 

          في أعقاب الخطة جاء من الليكود بيتنا بان "يحيموفتش، التي تخترع للجمهور كل يوم مبالغ خيالية جديدة وكأنها ستوزعها عليه ولا تشرح ابدا على حساب ماذا ستأتي، فان اختراع اليوم هو تلفيق جديد عن التقليصات التي تدعي انها ستحل بالميزانية. نحن نوضح بالقطع بان المعطيات التي قدمتها يحيموفتش اليوم كاذبة تماما وجاءت لتضليل الجمهور".

 

          ولكن بينما تعرض يحيموفتش مستقبلا أسود، امتشقت أوساط المالية معطيات نشرتها منظمة الـ ؟؟؟ تثبت بان ليس كل شيء اسود على ما يبدو. وحسب المعطيات التي نشرتها أمس وزارة المالية، فقد سجلت اسرائيل النجاح الاقتصادي الاكبر من كل دول الغرب في السنوات الاربعة الاخيرة، حيث وجدت في المكان الاول من حيث النمو الاقتصادي وخلق اماكن عمل جديدة. ويتبين من معطيات المقارنة لدى منظمة الدول المتطورة الـ OECD، بان الاقتصاد الاسرائيلي نما في سنوات 2009 – 2012 بمعدل اجمالي بلغ 14.7 في المائة، يعكس وتيرة نمو متوسطة بمقدار 3.7 في المائة في السنة.

 

          استراليا، التي تأتي في المرتبة الثانية بعد اسرائيل من حيث النمو الاقتصادي، نمت في السنوات الاربعة الاخيرة بمعدل اجمالي بلغ 10.7 في المائة. اما كندا مثلا فنمت في هذه الفترة بمعدل اجمالي 4.8 في المائة فقط والولايات المتحدة بمعدل اجمال 3.2 في المائة. والمانيا بمعدل 2.7 في المائة. اما فرنسا فراوحت في المكان مع نمو صفري متراكم بمعدل 0.3 في المائة. ومن الجهة الاخرى تقلص اقتصاد كتلة اليورو بمعدل 1.5 في المائة. قسم من الابطاء في وتيرة النمو للاقتصاد الاسرائيلي في العام 2012 تسبب به وقف ضخ الغاز الطبيعي من مصر ومن بئر يام تتيس، الامر الذي أجبر الحكومة على شراء وقود اغلى.

 

"توجد حقائق وتوجد تحليلات"

 

     والى ذلك تطرق وزير المالية يوفال شتاينتس للمعطيات فقال: "توجد حقائق، وتوجد تحليلات وأنصاف حقائق. فقد اجتازت اسرائيل في السنوات الاربعة الاخيرة الازمة الاقتصادية العالمية بشكل افضل من كل دول الغرب المتطورة".

 

     ويتبين من المعطيات أنه بينما ازدادت البطالة في اوروبا، فانها في اسرائيل نزلت من مستوى 9.5 في العام 2009 الى مستوى 6.8 في المائة في العام 2012.

 

     ومعطى هام آخر هو أن اسرائيل هي الدولة الوحيدة في الغرب التي ارتفع فيها مستوى معيشة المواطنين. وابتداء من العام 2010 بدا واضحا ايضا ميل الانخفاض والتقلص في الفوارق بين الاغنياء والفقراء.

 

*  *  *

 



*نشرة الكترونية  – مركز ديان لدراسات الشرق الأرسط وافريقيا ، جامعة تل أبيب – 2013  .