اتفاق نزع السلاح الكيميائي في سوريا: محاك جيدا مع فجوة أخلاقية
نظرة عليا – مقال - 25/9/2013
اتفاق نزع السلاح الكيميائي في سوريا:
محاك جيدا مع فجوة أخلاقية، المعركة الاولى – منتصرون فقط
بقلم: عاموس يدلين
(المضمون: في الاتفاق لنزع السلاح الكيميائي الكل خرج منتصرا باستثناء العدل والاخلاق والمعارضة السورية. الاحتمال الاكبر هو مراوغة النظام للابقاء على بعض من المنظومة الكيميائية في ظل جس نبض الاسرة الدولية وامكانية تراخيها على مدى الزمن وفحص مصداقية تصميمها في مواجهة أسلحة الدمار الشامل سواء في سوريا أم في ايران - المصدر).
الاتفاق في موضوع السلاح الكيميائي في سوريا، والذي تحقق بين وزير الخارجية الامريكي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرجيه لافروف كان محاكا جيدا. يبدو ان الامريكيين كانوا حازمين للوصول الى اتفاق فقط اذا ما اتسم بمعايير متشددة في كل المسائل الجوهرية لنزع السلاح الكيميائي في سوريا.
1. غاية الاتفاق هي التصفية التامة للقدرات الكيميائية السورية بكل عناصرها: المواد، الرؤوس المتفجرة ثنائية الاستخدام، منشآت الانتاج، مواقع التخزين والوحدات المستخدمة له.
2. لتحقيق العملية تقرر جدول زمني قصير ومتشدد. فقد خصص – اسبوع للتقرير، شهر ونصف لحضور المراقبين والرقابة في المواقع، وتسعة اشهر لانهاء عملية النزع.
3. القرار يفترض أن يلقى السند بقرار من مجلس الامن (بالفعل ما امكانية فيتو روسي لاحقا)، يتضمن العمل استنادا الى "المادة السابعة" من ميثاق الامم المتحدة – والتي تسمح بفرض العقوبات بل واستخدام القوة العسكرية لفرض القرار.
4. حرم الروس من حق الاستئناف على الخطة الامريكية – الروسية، وهم لا يمكنهم ان يطرحوا شروطا على تنفيذها.
ان معنى هذا الاتفاق الشامل، اذا ما تحقق، هو ان الاطراف الاربعة سيخرجون من الازمة منتصرين مثابة " win/win/win/win/ situation". روسيا، التي قادت الخطوة قبيل بلورة الاتفاق، عادت عمليا الى مكانة مساوية للولايات المتحدة في الشرق الاوسط؛ الولايات المتحدة برئاسة ادارة اوباما لم تتجه الى خطوة عسكرية، والاتفاق منحها مخرجا سياسيا – دبلوماسيا مع انجاز استراتيجي ذي مغزى؛ نظام بشار الاسد في سوريا نجح في منع ضربة عسكرية أمريكية أليمة وتلقى عمليا "الاذن" بمواصلة الصراع ضد الثوار وقتل المواطنين بكل وسيلة يختارها، باستثناء السلاح الكيميائي؛ وعن اسرائيل سيزال ربما التهديد بعيد السنين بالسلاح الكيميائي، بحيث يمكنها أن تتحرر ايضا من العبء المالي الذي ينطوي عليه تزويد المواطنين بكمامات الغاز. ومع ذلك، في هذه المرحلة الاولية من التقدم نحو حل مسألة السلاح الكيميائي السوري سجلت ايضا ضحيتان للاتفاق.
1. العدالة والاخلاق – لقد اختارت القوى العظمى عدم الانشغال بالحل الشامل للحرب الاهلية والقتل المستمر في سوريا. بشار الاسد، المسؤول عن قتل اكثر من مائة الف مواطن سوري، ضمن امور اخرى بواسطة استخدام سلاح الدمار الشامل – لم يعاقب. ويبدو أنه تلقى حتى إذنا غير مباشر بمواصلة القتل.
2. المعارضة السورية وكل اولئك الذين يعتقدون بان نظام الاسد غير جدير بمواصلة الحكم في سوريا وانه يجب اسقاطه لاعتبارات استراتيجية (المس الخطير بالمحور الراديكالي) واخلاقية. وتجدر الاشارة الى أن قائمة المنتصرين والمهزومين قد تتغير في اثناء المساعي لتطبيق الاتفاق. فمن يجمل ميزان الربح والخسارة النظري، صحيح حتى يوم الغفران الحالي، موعد التوقيع على الاتفاق، من شأنه ان يخطيء في اصدار حكم سابق لاوانه.
الرئيس الاسد ونظامه سيفقدان منظومة استراتيجية، كانت في نظرهم بوليصة تأمين امام تهديدات داخلية وخارجية. فاذا ما سلم سلامه الكيميائي سيفقد النظام القدرة على ردع الخصوم ووقف القوى المتطلعة الى اقتلاعه من دمشق.
في ضوء ذلك، من المتوقع ان يستقبل الاسد كل ما في وسعه كي يخرب على العملية ويبقي في يده قدرة كيميائية تنفيذية في ظل الاخفاء والخداع. كل هذا، في محاولة لتقليص الثمن الذي فرض عليه مقابل تأخير الهجوم الامريكي. في الماضي لم يتردد الاسد في الكذب والتضليل لافضل الدبلوماسيين من اوروبا والولايات المتحدة ممن اجروا معه الاتصالات. وقد تنكر لمسؤوليته عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري وسلسلة من كبار المسؤولين اللبنانيين الاخرين، تنكر لوجود برنامج نووي في سوريا ووجود منظومة سلاح كيميائي (!) في سوريا وكذا لنقل سلاح متطور الى حزب الله. كما أن وزير الخارجية الامريكي كيري، الذي في منصبه السابق كرئيس للجنة الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي اكثر من زيارة دمشق والبحث مع الاسد في المسيرة السلمية، هو الاخر كان ضحية لاكاذيب الاسد ولا سيما تنكره لنقل صواريخ اسكاد الى حزب الله. وقد اجيبت اسئلة السناتور كيري في هذا الشأن بالنفي المطلق، بكل وقاحة.
تقارير افادت بان الاسد ينقل هذه الايام سلاحا كيميائيا الى العراق ولبنان، بدت بقدر اكبر كحرب نفسية من جانب المعارضة السورية ضد النظام وضد الاتفاق. فلا منطق من النقل الى العراق: فالمحافل المتحكمة بالحدود السورية – العراقية هي سُنية – ثوار سوريون خصوم للاسد – وليس واضحا من هو المحفل في العراق الذي سيتسلم السلاح الكيميائي السوري. وبالمقابل، يوجد منطق كبير في نقل السلاح الكيميائي الى حزب الله. فالمنظمة تشكل خلفية آمنة نسبيا لنظام الاسد. وفي هذا السياق يجدر بالذكر ان السلاح الكيميائي في لبنان يشكل بالنسبة لاسرائيل خطا أحمر، وانه حسب مصادر في البنتاغون، عملت اسرائيل مؤخرا عدة مرات للتشويش على نقل السلاح المتطور – السوري، الايراني او الروسي – من سوريا الى حزب الله.
كيف سيطبق الاتفاق لتنظيف سوريا من السلاح الكيميائي؟ يحتمل ثلاثة سيناريوهات مركزية، ستكون لها نتائج استراتيجية مختلفة تماما:
السيناريو الاول: سير العملية حسب الخطة المتفق عليها: في غضون اسبوع يبلغ النظام السوري على كل ما يحتاج الى التبليغ، وتصادق اجهزة استخبارات رائدة في العالم على أن التقرير مصداق؛ وحتى نهاية تشرين الثاني 2013 تتشكل قوة مراقبين مهنية ومصممة تدخل الى سوريا وتحظى بالتعاون الكامل من جانب النظام والحصانة من هجمات قوات المعارضة. وتصل هذه القوة الى كل المواقع ذات الصلة، التي توجد تحت سيطرة النظام، تعثر على المواد ووسائل الانتاج للسلاح الكيميائي وتعالجه. وحتى منتصف 2014 يدمر او يخرج من سوريا كل عنصر كيميائي، كما يصف الاتفاق. احتمالات تحقق هذا السيناريو، اذا ما استمر الاسد في التصرف مثلما فعل في الماضي، منخفض. ويطلق الادعاء بان الرئيس الاسد فهم بان استخدام السلاح الكيميائي يعرض نظامه للخطر اكثر مما يجديه نفعا. واذا كان هذا الادعاء، الذي يتعارض مع سلوك الاسد في الماضي، صحيحا، يحتمل مع ذلك أن يتحقق هذا السيناريو.
في الطرف الاخر من السلم يوجد سيناريو، بموجبه يفعل الاسد كل شيء كي يعرقل عملية النزع ويذيب الاتفاق. وذلك بدعم هادىء من روسيا. فالاسد الذي تصدى في الماضي لتحدي ابعاده عن لبنان – عاد الى هناك بعد أن ركز العالم على ازمات اخرى ووقف على مدى سنوات طويلة في وجه ضغوط امريكية بعدم السماح بعبور جهاديين الى العراق. وهكذا، يقدم النظام تقارير جزئية في محاولة لاخفاء بعض من المنظومة الكيميائية الى أن يمر الغضب، ويستخدم معاذير مختلفة لتأخير الجدول الزمني ويجعل صعبا جدا نشاط المراقبين – مثلما فعل مع عمل أجهزة الرقابة من الجامعة العربية والامم المتحدة منذ 2011. وسيتعاون الروس من جانبهم مع الاسد بشكل يذكر بتضامنهم، حتى ما قبل اسبوع من بلورة الاتفاق، مع زعم الاسد بانه لم يستخدم على الاراضي السورية سلاح كيميائي، واذا ما استخدم فان الثوار هم الذين قاموا بذلك. وحسب هذا السيناريو، سيتمتع الروس بوقف الهجوم الامريكي، بعودتهم الى اللعبة في الشرق الاوسط وكذا من استمرار العلاقة مع النظام الحاكم في سوريا. احتمال تحقق هذا السيناريو هو الاخر منخفض.
السيناريو الثالث يتناول وضعا متوسطا بين الامكانيتين اعلاه. في هذا السيناريو المعقول يحترم الروس التزامهم للولايات المتحدة والاسد يعمل بحذر أكبر وبشكل اقل فظاظة كي يبقي بيديه منظومة كيميائية. وسيحاول الاسد انقاذ قسم من المنظومة، يمتنع عن التقرير الكامل، يؤخر دخول المراقبين وينغص عليهم حياتهم. ولكن كلما تلقى توبيخا روسيا او فهم بانه يستدعي قرارا شديدا من مجلس الامن ضده او هجوما عسكريا امريكيا، سيعود الى التعاون الاكبر. احتمال هذا السيناريو عال.
السيناريو الاول لا يضع تحديات للغرب في المجال الكيميائي. ومع ذلك، فانه سيلزم الغرب بتقديم جواب لمسألة استمرار القتل في سوريا بوسائل تقليدية، اتخاذ موقف من مستقبل نظام الاسد وكذا بالنسبة لطابع الدعم للثوار من غير المجاهدين. ولا يتناول الاتفاق الكيميائي مسيرة "جنيف 2" وهو بالضرورة لا يمنع تقدمها. واذا ما استمرت المسيرة يحتمل أن يسمح الروس بابعاد الاسد ومقربيه عن الحكم في ظل الوعد باستخدام النظام القائم، مع بعض الاصلاحات حماية لمعقلهم في سوريا.
اما السيناريو الثاني فسيعيدنا الى "نقطة الصفر": الرئيس اوباما ووزير الخارجية كيري أعلنا بانهما لن يساوما في عدم تطبيق الاتفاق وان خيار الهجوم لم ينزع عن الطاولة. ومن هنا، ففي ضوء الخرق الفظ للاتفاق والذي يدعم بمعلومات استخبارية مناسبة، ستعود الادارة لتنظر في مسألة الهجوم، الذي ستكون له في حينه شرعية أكبر سواء في نظر الجمهور الامريكي ام من ناحية الاسرة الدولية. وعلى أي حال فمن المتوقع في مثل هذه الحالة ان يستخدم الروس حق النقض الفيتو على قرار مجلس الامن في هذا الشأن وستضطر الولايات المتحدة الى العمل دون اذن صريح من القانون الدولي وبشكل احادي الجانب، بمعنى، ان تتخذ اجراءات سعى الرئيس الى الامتناع عنها في الاسابيع الاخيرة.
السيناريو الثالث هو الاكثر اشكالية. فمثل حلفائه الايرانيين يمكن للاسد أن يناور بحذر والا يخلق ذريعة لـ "تحطيم الاواني" وقرار بالهجوم. فعملية اخلاء وتدمير المواد الكيميائية ستصطدم بمصاعب كبيرة. وسيجد المراقبون صعوبة في خلق اجواء عمل آمنة وسيعانون من هجمات "عناصر مسلحة" غير معروفة (الامم المتحدة وقوات حفظ السلام غير معروفين بتصميمهم في مواجهة الارهاب والنار). وعلى خلفية انعدام الادلة القاطعة في أن الاسد هو الذي يخرب على تطبيق الاتفاق، سيجد الغرب صعوبة في استعادة الخيار العسكري ونقل رسالة واضحة ومصداقة في ان استخدامه هو المرحلة التالية.
"الفيل الكبير الذي في الغرفة" هو بالطبع ايران. وكل سيناريو يتطور في سوريا سيدرسه الايرانيون جيدا، مع التشديد على مصداقية الخيار العسكري الامريكي، مصداقية الخطوط الحمراء للرئيس اوباما، مدى دعم الجمهور الامريكي للخطوة العسكرية، معنى السلوك الروسي (الحرص على بقاء حليفه او الحرص الحقيقي على عدم انتشار اسلحة الدمار الشامل). وسيدرس الايرانيون جيدا رد فعل الاسرة الدولية على عدم التعاون السوري في موضوع السلاح غير التقليدي من جهة واستمرار القتل التقليدي غير مكبوح الجماح من جهة اخرى. وللاستنتاجات التي يستخلصها النظام في طهران كنتيجة لدراسة هذه المواضيع ستكون، بلا شك، آثار على استمرار التصدي لتقدم ايران نحو استكمال برنامجها النووي العسكري.