Al-Masdar One

   

مقالات عطا القيمري

كتب بتاريخ: 22 /كانون الثاني / 2006

 

 *  *  *

 

 

 

 

 

حياة سياسية جديدة في فلسطين

 

بقلم: عطا القيمري

 

          دون أن تعلن عن ذلك، بل ودون أن تعترف به بينها وبين أنفسها، فان الفصائل الفلسطينية الكفاحية، ولا سيما تلك التي تبقي لأنفسها قوات مسلحة وخيار الكفاح المسلح، تتحول في ظل الانتخابات الراهنة إلى أحزاب سياسية تجعل الخيار الديمقراطي على المستوى الداخلي، والخيار السلمي على المستوى الخارجي هو الخيار الثابت.

 

          دون أن تعلن عن ذلك، بل ودون أن تعترف به بينها وبين أنفسها، فان الفصائل الفلسطينية الكفاحية تقرر ، بمجرد مشاركتها في اللعبة الانتخابية بأن الساحة الوحيدة لحسم صراعاتها وخصوماتها فيما بينها لن تكون بعد اليوم الشوارع والميادين والأزقة، بل قبة البرلمان، ولن تكون أساليبها في فعل ذلك العنف أو الكمائن المسلحة بل ولا حتى المظاهرات والاستعراضات العسكرية، بل السجال اللفظي في البرلمان، والقدرات التشريعية في لجانه والقدوة الحسنة في إدارة مؤسسات الكيان السياسي الذي يطمح لان يكون دولة.

 

دون أن تعلن عن ذلك، بل ودون أن تعترف به بينها وبين أنفسها، فان الفصائل الفلسطينية الكفاحية تقرر أن مرحلة المقاومة بأشكالها العنيفة قد انتهت وأن مقاومة من نوع جديد، جماهيري وسياسي هو الذي سيتصدر الأجندة الفلسطينية في الصراع مع إسرائيل وفي حسم النزاع معها.

 

دون أن تعلن عن ذلك، بل ودون أن تعترف به بينها وبين أنفسها، فان الفصائل الفلسطينية الكفاحية تقرر بأن التعددية السياسية والحياة الديمقراطية بكافة تعابيرها وتجلياتها من حريات عامة وشفافية، من سيادة القانون وحقوق الانسان  هي التي تحكم الحياة السياسية في فلسطين وليس التفرد والهيمنة من جهة أو الحرد والاستنكاف والرفض من جهة اخرى.

 

نحن جميعا نفهم ذلك ونعرفه ونتعاطى معه بل ونتسامح مع من لا يعترف به علانية على سبيل التسامح السياسي وقواعد الكياسة الاجتماعية والسياسية. فنحن لا نلح على القوى السياسية في أن تعلن على الملأ الدروس الحقيقية التي تستخلص من التجربة السابقة والاعتراف بالاخطاء التي أوصلت بشعبنا الى ما يعيشه من مأزق ونكتفي بأن نقبل ما تبرره من خطى في أنها تفعل ما تفعله كي نخرج جميعا من هذا المأزق.

 

غير أن هذا الموقف، على لباقته وتسامحه، في غاية الخطورة. إذ أن الفصائل المسلحة قد تفهم من انتخابنا لها، بناء على ما تطرحه من أجندة سياسية - اجتماعية، كإعادة بناء البيت الفلسطيني، الحكم الصالح، محاربة الفساد، اختيار القوي الأمين، نظافة اليدين وغيرها من شعارات هو انتخاب وإقرار لصحة ما تطرحه من أجندة سياسية - وطنية يجري حاليا في هذه الحملة الانتخابية اخفاؤها تحت غطاء السجال السياسي - الاجتماعي. فالقوائم الانتخابية في الغالب لا تقول بوضوح كيف ستحقق شعاراتها السياسية كالحرية والاستقلال والعودة، وهي تبقي تكتيكها الكفاحي وصولا الى ذلك غامضا تحت عبارة حق المقاومة وكأن الخلاف يدور حول الحقوق وليس حول النجاعة. فلا أحد في فلسطين يستنكر حق الفلسطيني في المقاومة من أجل الحرية والكرامة. ولكن المسألة  هي كيف يتحقق هذا الحق وبأي أساليب تكون ليس فقط مشروعة بل وناجعة أساسا. والسؤال فيما اذا كانت المفاوضات السياسية والكفاح الجماهيري والممارسات السياسية والعلاقات العامة على مستوى الساحة الدولية  هي أيضا أشكال كفاحية مقبولة. وهل سنعود لنرى المناكفة لتبرير استهداف المدنيين في إسرائيل والعودة الى دائرة الوصمة بالارهاب تحت ذات عنوان حق المقاومة. وهل ستبقى الحروب الخاصة لكل فصيل عسكري حيال إسرائيل دون أن تجتمع في قوة واحدة تسند السلطة الواحدة وتحميها وتكافح في سبيل تحقيق أهدافها في ظل تبني سياسة الضرب بذراعين بمبرر أننا لا نزال نعيش تحت الاحتلال وأن مرحلة الكفاح الوطني لم تنتهي وبالتالي لم ينته المبرر لوجود الاذرع العسكرية للفصائل.

 

أما على الصعيد الداخلي فهناك مسألتان أساسيتان غير واضحتين في هذه الحملة الانتخابية وما سينتج عنها. الاولى تتعلق بفتح والثانية بحماس. ففتح مطالبة في أن تقول بالصوت العالي بانها لا تؤيد فقط الديمقراطية كمنهج للحياة السياسية بل تقبل بما تفترضه هذه الديمقراطية من تعددية ومن تبادل سلمي للسلطة. أما المسألة الثانية فهي موقف حماس من السلطة - الحكومة. فما يرشح عن حماس هو أنها تخشى النصر. تريد أن تحقق الاغلبية، وهو طموح كل قائمة تخوض انتخابات. ولكنها تبقي غامضا استعدادها لان تتولى السلطة - الحكومة اذا ما حققت هذه الأغلبية، وكأنها لا تقبل بالديمقراطية الا على سبيل نيل الشرعية. واستتباعا لهذا، يأتي ايضاح  موقف حماس من الوجه الآخر للديمقراطية، ألا هو التأكيد على أن حماس بعد أن تحظى بالاغلبية وتنال السلطة - الحكومة لن تتراجع عن شروط الديمقراطية في الابقاء على الحريات العامة واحترام التعددية والتبادل السلمي اللاحق للسلطة فتأخذ من الهيمنة ما سبق لها أن أدانته وتأخذ من فرض أنماط حياة على الجمهور ما لا تقبله الحرية والديمقراطية.

 

يخيل لي أن هذه الانتخابات انتقالية بين الكفاح المسلح والدولة، تتمثل بانتقال سلمي للمنظمات المسلحة إلى أحزاب سياسية مشروعة. والتحدي أمام هذه الاحزاب المتبلورة هو أن تعطي الجمهور مبررا سياسيا لاستمرار وجودها وليس فقط المبرر النضالي والتاريخي الذي ترتقي الآن على موجته صهوة البرلمان. ومحكها سيكون تثبيت الديمقراطية وليس الانقلاب عليها. وتشريع قوانين العمل السياسي والحزبي بحيث تنعكس المصالح الحقيقية للناس في أحزاب سياسية مشروعة تتنافس حول برامج سياسية، اجتماعيةو اقتصادية.

 

القدس 22/1/2006

 

 

 

   

 

     انتهـى         *