Al-Masdar One

   

مقالات عطا القيمري

كتب بتاريخ: 28 /تشرين الأول / 2005

 

 *  *  *

 

 

الدوائر المفرغة وشبح الحرب الأهلية

بقلم: عطا القيمري

لو سألت أي فلسطيني من هو البادىء في هذه الجولة من تبادل اطلاق النار بين إسرائيل وفلسطين، ناهيك عن أصل الصراع على الاطلاق لاجابك بلا تردد انها إسرائيل. ولو سألت كل اسرائيلي من هو البادىء في هذه الجولة أو في كل الصراع، لاجابك بلا تردد أيضا انها فلسطين. فالبادىء دوما هو الأظلم. ولهذا فان الاساس في واقع الأمر السائد بيننا وبين اسرائيل ليس أن يتجه كل طرف ألا يكون هو البادىء كي لا يكون هو الأظلم فيستمد من احساسه بالضحية شرعية للرد أو على الاقل للشكوى، بل أن يتجه، متجاهلا كل خطوة سبق له هو أن اتخذها فلا يحتسبها، كي يتهم الآخر بالبدء.

في هذه الجولة، التي تأتي بعد فك الارتباط عن القطاع، يدعي الاسرائيليون بأنها بدأت بالقصف الصاروخي على سديروت، كرد فعل من حماس على ما اعتبرته قصفا اسرائيليا أحدث الانفجار المروع في مسيرتها في جباليا. أما الفلسطينيون فيدعون بأنه سبق هذا الحدث استهداف وقتل اربعة شبان في طولكرم.

ومهما يكن من أمر البادىء أو الثائر إنتقاما على ما بدر من هذا البادىء من اعتداء، أو أمر المعتدي والضحية، فانه في نظر العالم وفي نظر التاريخ يتقاتل شعبان يدعيان هذه الأرض فيما بينهما على نحو مستمر وفي ظل الاتهام المتبادل بالاعتداء والزعم بالبراءة. دائرة مفرغة لا يبدو لها نهاية وإن كنا جميعا نصر على أننا نعرف لها بداية.

وفي دائرة مفرغة اخرى للخروج من دائرة العنف المفرغة، فان للطرفين روايتان متضاربتان. الاسرائيليون يقولون ان الأصل هو وجود منظمات مسلحة تعتدي على اسرائيل وسكانها الأبرياء وتتحدى السلطة الفلسطينية فتمنعها من عقد السلام واستتباب الأمن والنظام. اما الفلسطينيون فيقولون ان الأصل الذي أوجب وجود هذه المنظمات المسلحة وكل الكفاح الذي تخوضه هو وجود الاحتلال الاسرائيلي واستمرار اعتداءاته الغاشمة. اما العالم الذي يقبل بأساس الرواية الفلسطينية ويدفع باتجاه انهاء الاحتلال كمقدمة للحرية الفلسطينية والأمن الاسرائيلي، فانه بات يقبل أكثر فأكثر بالمطلب الاسرائيلي في نزع سلاح المنظمات وإقرار ديمقراطية فلسطينية يتسنى لها رفع المطالب الفلسطينية وصولا الى تحققها في دولة حرة ومستقلة.

وفي ظل هاتين الدائرتين المفرغتين، فاننا ما أن وصلنا الى التهدئة حتى زهقت أرواحنا، وهذه المرة ليس بالتعبير المجازي بل بالفعل وبكل ما في الكلمة من معنى. وبينما أقنعنا نحن العالم، وعلى رأسه الولايات المتحدة، في أن نزع السلاح في فلسطين لا يمكن أن يسبق الانتخابات، فانه في واقع تجدد اطلاق النار والعمليات من جهة والرد المتبادل قبلها وبعدها، فان مسألة نزع السلاح ستعود مرة اخرى لتتصدر جدول الأعمال المحلي، الاقليمي والعالمي. السلطة الفلسطينية لا تريد ولا تستطيع أن تنزع سلاح المنظمات، وهي تمارس تأثيرها عليها بوسائل الاقناع السلمية المحضة. أما المنظمات المسلحة فتواصل حروبها الخاصة متجاهلة مناشدات السلطة. وبين هذه وتلك يغرق الشعب الفلسطيني في الدم والمعاناة واليأس، وتتعمق في أوساطه الفوضى والفلتان وانعدام القانون بل وانعدام كل افق بمستقبل آمن واعد.

والسؤال هو إلى أين وحتى متى ستبقى ممكنة معادلة توازن القوى التي تخلق الأمان المؤقت وتبعد شبح الحرب الأهلية. فاذا استمرت الاشتباكات وتبادل اطلاق النار مع اسرائيل، ونشبت حملات صغرى لاعادة اجتياح في الضفة والقطاع، فليس فقط الانتخابات التي اقنعنا العالم بانها ستسبق نزع السلاح واستقرار الحياة السياسية في فلسطين، ستؤجل، بل ان كل هذه المعادلة ستتحطم إربا.

وسيعود مرة اخرى مطلب نزع السلاح ليكون هو المتصدر لجدول الاعمال. السلطة الفلسطينية الآن لا تريد، فمن يضمن أن تبقى لا تريد؟ السلطة الفلسطينية الآن لا تستطيع، فمن يضمن ان تبقى لا تستطيع. والمنظمات المسلحة الآن لا تريد أن تقلب السلطة بالقوة، حتى لو كانت تستطيع، فمن يضمن أن تبقى لا تريد والا تحاول ذلك. والشعب الفلسطيني اليائس، من يضمن الا يتفجر يأسه في وجوهنا جميعا في شكل تأييد لصراع مسلح على أمل ان تكون النتيجة هي الخلاص. 

أي أن شبح الحرب الأهلية قائم يلقي بظله الثقيل على فلسطين دون رادع. وأغلب الظن، فان مواثيق الشرف التي تعقدها المنظمات بينها وبين انفسها لن تصمد عندما تتحطم المعادلة ويغيب أفق الحسم الديمقراطي فلا يبقى غير الحسم العسكري هو الماثل أمام ناظر الجميع.

وهذه المعادلة قد تتحطم ليس فقط من الخارج، اي أن تأتي قوة خارجية ترجح الكفة في جهة ضد الجهة الاخرى، بل انها قد تتحطم أيضا من الداخل. انظروا مثلا المحاولة البريئة ظاهرا من السلطة في استيعاب كتائب شهداء الاقصى في صفوف أجهزتها الأمنية. ظاهرا هذه خطوة باتجاه حل جزء من المعضلة الممثلة بالفلتان الأمني في ضبط صفوف فتح وروافدها كمقدمة لضبط كل الوضع الأمني. أما النتيجة فقد تكون مغايرة لكل نية طيبة قائمة. فالسلطة التي كانت الى حد ما لا تمثل فتح بكاملها، وفتح التي لم تكن حزب السلطة بكاملهما، ستصبح سلطة فتح فيما ستصبح فتح هي السلطة. وهنا يتعمق الاستقطاب. وبدل حل الفلتان الأمني الهامشي يصبح الفلتان الأمني شاملا. وكل شرارة يمكن ان تضرم النار في كل السهل.

لا تقولوا ان احدا لم يحذركم. فالضوء الاحمر بالحرب الأهلية مشتعل منذ زمن. وما عليكم إلا أن ترفعوا عيونكم لترونه ساطعا بقوة.

القدس 2005/10/28

 

الحرب الأهلية

 

     انتهـى         *