Al-Masdar One

نظرة عليا – مقال - 11/9/2013

"داركنت" كملعب للارهاب

مؤامرات في الساحة الخلفية

بقلم: ياتوم روزنلر وآخرين

          (المضمون: الشبكة السوداء لا تحمي الخصوصية الفردية للناس العاديين وللمعارضين للانظمة الظلماء وحدهم بل وباتت ملجأ لكل أنواع الاجرام والارهاب، وبالتالي ينبغي بذل الجهود الفنية والاستثمارية لمواجهة مخاطرها - المصدر).

          يوم الجمعة 2/آب 2013، نشرت وزارة الخارجية الامريكية تحذيرا للمتنزهين اغلق في أعقابه في خطوة تعد سابقة أكثر من عشرين سفارة. وكما كان متوقعا، في أعقاب الانذار الامريكي اصدرت دول غربية اخرى كبريطانيا، فرنسا والمانيا تعليمات لاغلاق سفارات مختلفة. بعد بضعة ايام من تحذير السفر واغلاق السفارات، نشر بأن سبب الانذار كان اعتراض محادثة كثيرة المشاركين ضمت نخبة من زعماء منظمات الارهاب، وعلى رأسهم زعيم القاعدة المركزي، ايمن الظواهري، مع زعماء منظمات مشاركة.

          وجاء على لسان محافل أمنية مغفلة أن المعلومات موضع الحديث ضبطت بحوزة عضو في القاعدة كان يحتفظ بأشرطة عن المحادثات اياها. وبعض من هذه المحادثات كانت تستمر لبضع دقائق وكانت معدة للنقل على الشبكة، وتسجيل آخر بطول سبع ساعات من الحديث بمجمله. ومن خلال المتابعة لهذا العنصر نجحت الولايات المتحدة بالكشف عن حوار جرى أغلب الظن في المجال الالكتروني المسمى احيانا "الشبكة العميقة" او "الشبكة السوداء" او بالانجليزي "داركنت".

          وأصابت المعركة العالمية ضد الارهاب اصابات شديدة للبنية التحتية المادية للقاعدة، ولكن بدلا من الانكشاف عمقت منظمة القاعدة نشاطها في المجال الالكتروني. وتعلم نشطاء المنظمة استغلال تكنولوجيا الانترنت لاغراضهم من خلال استخدام شبكات معروفة لغرض نشر المضامين للتجنيد، الارشاد والتنسيق للعمليات الارهابية. وفي نهاية التسعينيات عمل في الشركة ما مجموعه عشرات قليلة من المواقع، المرتبطة بمجموعات الارهاب، ولكن في العام 2005 وثق أكثر من 4 الاف موقع كهذا.

          لشبكة الانترنت جانب مكشوف وآخر خفي. الجانب المكشوف يضم مواقع يمكن ايجادها من خلال البحث العادي؛ اما الجانب الخفي المسمى الشبكة القاتمة أو "داركنت"  DARKNETفيضم مواقع أو شبكات من المواقع لا يمكن الوصول اليها بالوسائل العادية. وهكذا تستخدم هذه المواقع كمنصة للمتصفحين ممن غياب الهوية حيوي لهم، وذلك الى جانب ساتر الحماية من المتصفحين غير المسموح لهم، تضم مواقع الشبكة السوداء في الغالب أسوار من التشفير المضادة للاعتراض.

          وقد أتاحت المساحات القاتمة في الشبكة السوداء لمنظمة القاعدة امكانية التكيف مع القيود التي فرضتها عليها المعركة الدولية الدائرة ضدها والعمل بقوة أكبر كشبكة ارهاب افتراضية. فضلا عن ذلك، منذ نحو عقد من الزمان تبلغ مصادر علنية بانه بينما يستغل نشطاء الجهاد العالمي مساحات الشبكة السوداء للاهداف آنفة الذكر ايضا، فان الشبكة تشكل بالاساس منصة للاتصال المباشر بين الزعماء والنشطاء في المنظمة. وعليه، فان الانباء عن أنه في الشبكة السوداء جرت محادثة بين مسؤولي المنظمة ليست مفاجئة، حيث أنه من الناحية العملية يستغل القائد العام لمجمع ارهاب القاعدة، الظواهري، التكنولوجيا التي تحت تصرفه كي يتصل بشكل منتظم مع مرؤوسيه الكبار.

          ويستخدم الكثير من متصفحي الشبكة السوداء برنامج The Onion Router - TOR الذي يمكن انزاله بالمجان على الانترنت ويوفر للمتصفحين ساتر من المجهولية. وكما يشار في صفحة البيت في البرنامج، فان الشبكة تمنع اعتراض المضامين وتسد الطريق امام العثور على المكان الجسدي للمتصفح، وفضلا عن ذلك يسمح بتصفح للمضامين المحمية من خلال الرقابة على الانترنت. واضافة الى ذلك، فان برنامج TOR يمنع تشخيص مدراء المواقع غير المعنيين بالانكشاف.

          في حزيران الماضي بلغ اوفير دافيد من شركة "سايبرهات" اقتحام متصفح "موزيلا - فايرفوكس" من طراز 17 و 22 مما أدى الى الكشف عن مستخدميها. وبعد هذا الكشف أكد مدراء موزيلا بان بالفعل وقع اقتحام لهذين المتصفحين.

          وتبين في آب ان العديد من المواقع الاخرى، الخفية في الشبكة السوداء اقتحمت أو سدت تماما. وبعد بضعة أيام من ذلك اعتقل اريك موئين مركاز، الذي انكشف كمدير الشبكة الاكبر في العالم لمواقع التعرية للاطفال. وخلف هذا العمل في شبكة TOR وقفت أغلب الظن حملة ادارها مكتب الـ FBI وكانت تستهدف منع نشر الاعتداء على الاطفال في الشبكة. وبزعم دافيد، فان "من اقتحم الشبكة يمكن أن يكيف كل IP لمستخدم TOR وبالتالي العثور على كل مستخدم لـ TOR . مفهوم أن هذه الثغرة مست بشكل كبير بنجاعة TOR كموردة مستخدمين مجهولين.

          تقارب موعد اعتقال مركاز مع اعتقال نشيط القاعدة ومركزية الشبكة السوداء في الحالتين يعرض امكانية معقولة للعلاقة بين الرجلين. وحسب هذا الاعتقاد، استغلت السلطات الامريكية الثغرة في TOR لغرض اعتراض محافل في القاعدة ومن شبكة المعتدين على الاطفال؛ وكشف دافيد لها أجبرتها على العمل ضد اهدافها قبل الأوان خوفا من ان تغير هذه وسائل الاتصال في اعقاب انكشاف الثغرة. ويوفر هذا التخمين تفسيرا ممكنا ايضا لمعركة هجمات الطائرات الصغيرة التي بادرت اليها الولايات المتحدة في اليمن في موعد قريب من اعتقال نشيط القاعدة، والتي أدت الى تصفية 34 نشيط من القاعدة. اضافة الى ذلك، فان المحققين الذين ادعوا وجود علاقة بين انذار وزارة الخارجية وبين الاقتحام الواسع لشبكة TOR تراجعوا في حالات عديدة عن ادعائهم، وذلك في ضوء عدم التناسب بين المعلومة التي ادت الى كشف شبكة التعرية وبين مصدر المعلومات الذي كان كفيلا بان يؤدي الى اعتراض المحادثة، رغم أنه لا يزال هناك من يدعون بامكانية عالية لوجود هذه العلاقة.

           حق الخصوصية مقابل المصلحة الامنية

          في أوساط المؤيدين لخصوصية المتصفحين تتمتع الشبكة السوداء بطابع رومانسي كساحة آمنة لحديث سياسي سري. وفي عالم يبكي موت الخصوصية من قبل وكالة الامن الامريكية NSA وامثالها، فان هذه الشبكة سمحت للمعارضين، للصحفيين والانفصاليين، بنشر معلومات في ظل التملص من الرقابة والمتابعة وهكذا سمحوا بطرح افكار وحقائق لا تنسجم مع مصالح الانظمة الظلماء. ولكن الاحداث الاخيرة اطلعت الجمهور على أن الشبكة السوداء ليست فقط ملجأ للحديث السياسي بل وبنية تحتية لنشر السلاح والارهاب، الى جانب المخدرات والاعتداء على الاطفال. وفضلا عن ذلك، ففي ضوء الاستخدام المتعاظم من جانب نشطاء الجهاد وامثالهم للشبكة السوداء، فانه يمكن وصفها الان كخطر واضح وفوري على أمن المواطنين في أرجاء العالم. وبالتالي، ثمة حاجة عاجلة الى خلق الادوات التي تمنع عن منظمات الارهاب (وعن محافل جنائية ايضا) استخدام الشبكة السوداء لاغراضها.

          في السنوات الاخيرة طور الغرب وسائل هامة لاعتراض مضامين في الشبكة العلنية، ولكن بالمقابل يكاد يكون لا توجد ترسانة مشابهة بالنسبة للشبكة السوداء. ومن أجل التأكد من أن تتطور الادوات اللازمة لاعتراض الشبكة من الضروري أن تطرح على جدول الاعمال الشهادات التي تشير الى تحول الشبكة السوداء الى بنية تحتية مركزية للارهاب العالمي. ومثلما يمكن الاستنتاج من عمل دافيد، يقف الباحثون الاسرائيليون في رأس حربة البحث في مجال الانترنت. في ضزء ذلك حسنا تفعل اسرائيل اذا ما وجهت قسما هاما من كفاءاتها للتصدي للتحدي الكامن في الشبكة السوداء. فضلا عن المساهمة الهائلة في الامن القومي والعالمي، فان هذه المبادرة كفيلة بان تطور آفاقا جديدة لمشاريع استثمارية اسرائيلية.

*  *  *