جدار الفصل الاسرائيلي العنصري
تقارير خاصة - عطا القيمري
كتب بتاريخ: 27 /شباط/ 2004
* * *
جدار الفصل الاسرائيلي العنصري
بقلم: عطا القيمري
تسميات متنوعة ومضمون واحد
في غياب المعركة الميدانية الحقيقية بين طرفي النزاع في المعادلة الفلسطينية - الاسرائيلية، والذي يفترض بها ان تحسم الصراع في صالح طرف من الاطراف، وفي ظل تصدر جدار الفصل العنصري جدول الاعمال السياسي محليا ، اقليميا ودوليا، تتحول هذه المعركة الى مشادة لفظية بين الاطراف. فبينما تعمل اسرائيل في محاولة شبه يائسة لتبرير هذا الجدار/ السور الذي يفرض واقعا من الفصل العنصري سيء الصيت دوليا، الى اعادة صياغة اسمه بحيث يصبح "جدار منع العمليات الارهابية"، تسارع الحكومة الفلسطينية من جهتها الى الرد على النار بالمثل، فتعيد صياغة الاسم ليصبح برأيها "جدار الضم والتوسع".
والواقع هو انه لا يوجد في حقيقة الامر خلاف حقيقي بين التسميات الثلاث، باستثناء ان كل طرف يشد اللحاف ليغطي به ظهره. ففكرة الجدار، من حيث الاساس، جاءت، بابتداع من اليسار الاسرائيلي، اصلا كوسيلة للوقاية من العمليات التي يبادر اليها الفلسطينيون داخل الخط الاخضر، ولمنعهم من عمل ذلك. وجاء اليمين ليتخذ من هذه الفكرة وسيلة كي يحقق من خلالها بعضا على الاقل من رؤياه الايديولوجية في التوسع والاستيطان، وابقاء السيطرة على كامل المناطق، في ظل التظاهر بالخروج منها، او الاحرى اخراج الفلسطينيين من دائرة الاهتمام والمسؤولية السياسية.
وهكذا ينطبق على هذا الجدار التسمية الاسرائيلية الجديدة والتعديل الفلسطيني عليها في آن معا. ولكنه يبقى في حقيقة الامر جدارا للفصل العنصري حقا، مثلما جاء في التعبير الاصلي الذي اتخذه منذ البداية. المهم هنا السؤال هل تخدم التسمية الفلسطينية الجديدة المعركة القانونية وعلى الرأي العام العالمي حول الجدار وبأي مدى؟
مسار متلوٍ واشكالي للجدار
في معظم الاماكن لا يحاذي مسار الجدار الخط الاخضر بل يمر داخل اراضي الضفة. في ذات المقاطع التي يوجد فيها تطابق بين المسار والخط الاخضر، تقرر اقامة عائق ثانوي اضافي، على بعد بضع كيلو مترات شرقا. والشكل المتلوي للمسار يخلق في عدد من المناطق مثابة عروة تحيط القرى والمدن الفلسطينية من كل الاتجاهات. وكنتيجة لخصائص المسار، فان من المتوقع للجدار ان يقسم العديد من القرى والمدن الفلسطينية وتحويل بعضها الى جيوب منعزلة. وفي حالات عديدة سيقطع الجدار بين القرى وبين اراضيها الزراعية التي يعتاش برزقها بعض من سكانها. وحسب تقدير "بتسيلم"، المنظمة الاسرائيلية لحقوق الانسان، فمن المتوقع ان يؤثر الجدار سلبا بشكل مباشر على حياة نحو 210 الاف فلسطيني على الاقل، يسكنون في 67 قرية، بلدة ومدينة.
يخلق مسار الجدار خمسة جيوب من المدن والقرى الفلسطينية التي ستتبقى بين الجدار الاساس وبين الخط الاخضر. هذه الجيوب، التي تعد هنا من الشمال الى الجنوب، ستفصل سواء عن باقي الضفة الغربية ام عن بعضها البعض. وبالاجمال يشمل هذا التصنيف 13 قرية وبلدة ومدينة يسكن فيها نحو 11.700 من السكان.
يمر مسار الجدار داخل اراضي الضفة وفي مناطق معينة يصل حتى عمق 6 - 7 كيلومتر. ومساحة الارض بين الجدار الأساسي وبين الخط الاخضر في المسار بين سالم والكنا هي نحو 69.500 دونم، منها نحو 7.200 دونم هي مساحة الاراضي المبنية لعشر مستوطنات. ومساحة خمسة جيوب ستبقى شرقي العائق تتضمن نحو 65.200 دونم اخرى. وبالاجمال سيؤثر العائق على 161.700 دونم، تشكل نحو 2.9 في المائة من مساحة الضفة الغربية.
المسار المتلوي، بالتداخل مع جدار العمق الذي أقيم في بعض المناطق، يخلق في جزء من الاماكن جيوب من القرى والمدن الفلسطينية وفي اماكن اخرى يقطع بين السكان الفلسطينيين وبين اراضيهم. وحسب تقدير "بتسيلم"، من المتوقع للجدار ان يؤثر سلبا بشكل مباشر على حياة نحو 210.000 فلسطيني على الأقل، يسكنون في 67 قرية وبلدة ومدينة.
أما في منطقة القدس فان ما يسمى بـ "غلاف القدس" يهدد بالاستيلاء على مساحات واسعة من الاراضي ويؤثر سلبا على نمط ورفاه حياة اعداد واسعة من السكان في شرقي القدس ممن سينقطعون عن مركز المدينة ومرافقها الحيوية.
تدحرج الجدار في الرؤيا الاسرائيلية
في قصة الجدار هناك الكثير جدا من ميزة التشكل التدريجي المتصاعد المباغت والعفوي. فقد بدأ كعنصر، متواضع في حجومه، لاعطاء رد أمني مناسب. ولكن هذا العنصرسرعان ما تدحرج ليتوافق مع رؤيا استراتيجية معينة. فالحكومة الاسرائيلية لم تلتزم بالقرارات الاصلية لمجال التماس، والتي اتخذتها هي نفسها.
المرة الاولى التي اتخذت فيها حكومة شارون قرارا يتعلق بمجال التماس، كان في 18 حزيران 2001. كانت تلك جلسة دراماتيكية، عقدت في اعقاب العملية في مرقص "الدولفيناريوم" في تل أبيب، وقرر الوزراء المصادقة على مشروع قرار رئيس الوزراء بشأن "خطة مجال التماس" التي تقول بوجوب المصادقة المبدئية على خطة منع تسلل الاشخاص من المناطق عبر مجال التماس ومكوثهم غير الشرعي في اسرائيل. على ان تطرح "خطط عمل في المواضيع التالية: مجال القدس، العائق، المعابر والنظام الاقتصادي، المبادىء وخطط التمويل واقتصاد العمل في اسرائيل".
لم يكن رئيس الوزراء شارون يتفق أصلا مع فكرة اي جدار يفصل بين اسرائيل وبين طموحاتها الاقليمية في الضفة الغربية بالذات. ولكنه كان يرغب في صد الضغط الجماهيري المتزايد الذي بات يرى وجوب مثل هذا العائق على سبيل الوقاية الامنية. ولو تركت لشارون ما قرر او نفذ فكرة الجدار على الاطلاق. فهو لا يؤمن بعائق مادي على مجال التماس اذ ان مثل هذا العائق لا يكبل ويقيد نشاط قوات الامن فقط، بل وقد يوحي بخط حدود سياسية تكبل وتقيد الصهيونية في مجال توسعها الاستيطاني والاقليمي. ولهذا فمع انه اتخذت في تلك الجلسة في تموز 2001 وحتى جلسة الحكومة في 14 نيسان 2002 قرارات ملزمة باقامة هذا العائق، الا انه لم يجرِ شيء تنفيذي في هذا الموضوع.
وكانت خطة مجلس الامن القومي الاولية المقترحة هي اقامة عائق متواصل على الخط الاخضر، يرمي الى منع عبور المركبات من الضفة والى اسرائيل وبالعكس، وتقليص ظاهرة سرقة السيارات. أي عن فصل مادي، محلي، بين قرى فلسطينية محاذية للخط الاخضر وبين قرى اسرائيلية مجاورة لها، سواء لمنع عبور الناس ام المركبات على طرفي الخط الاخضر.
وكانت المخابرات الاسرائيلية ولا تزال، ولا سيما تحت رئاسة آفي ديختر، مؤيدة لاقامة عائق مادي يشكل سورا امنيا ضد تسلل المبادرين الى التفجيرات في اسرائيل. وقد تبين لها ان التداخل بين القرى الفلسطينية والعربية الاسرائيلية على جانبي الخط الاخضر يجعل الحدود بين الكيانين سائبة وامكانية التسلل في غاية السهولة. ومن هنا جاءت التوصية باقامة عائق مادي يفصل بين القرى العربية والقرى الفلسطينية المجاورة لها. ومنذئذ جرى الحديث عن بناء جدار او سور مع شبكة الكترونية توفر الانذارات.
في تموز 2001 عندما طرحت المخططات الاولية كان هناك تخوف من ان يفسر قيام عائق على خط التماس كاقامة خط حدود سياسية على طول الخط الاخضر. وعليه ففي المخططات التي اعدها مجلس الامن القومي لم يجرِ الحديث عن عائق متواصل على طول خط التماس. بل جرى الحديث عن ذلك في أنه في المناطق المفتوحة، حيث لن يقام العائق، ستجري سيطرة على حركة المتسللين من خلال نقاط المراقبة من انواع مختلفة. وكقاعدة ساد الفهم بان القيادة السياسية لا تريد بالضبط عائقا ولهذا ينبغي "تسويقه" كعائق متقطع، لا يشتم منه رائحة جدار سياسي. والمرة الاولى التي بدأ فيها الحديث عن جدار متواصل كانت فقط في اذار 2002.
في مجلس الامن القومي رفع في 20 تموز 2001 وثيقة شكلت اساسا لقرار الحكومة بعد اربعة ايام من ذلك. في تلك الوثيقة جرى الحديث عن سلم اولويات في بناء العائق. في الاولوية الاولى: بناء عائق على طول 50 كيلو متر؛ عائق متواصل بنحو 30 كيلو متر من باقة الغربية حتى قلقيليا وطولكرم؛ عوائق شرقية لام الفحم، في برطعة، وعائق اضافي، بطول 7 كيلو متر، في منطقة القدس.
في الافضلية الثانية: عائق 7 كيلو متر في منطقة الطيبة، عائق 4 كيلو متر في منطقة هار - ادار وعائق 4 كيلو متر في منطقة القدس. رسم الخرائط وضع عندها خطوط العوائق بمحاذاة الخط الاخضر مع بعض خروج ليس اكثر من عشرات حتى مئات الامتار شرقيه.
في تلك الخطة لم يجرِ الحديث ابدا عن كتل الاستيطان اليهودية، التي سيحيطها عائق مجال التماس من الشرق. وتم التخطيط بان مستوطنات يهودية في الضفة، محاذية للخط الاخضر، مثل ريحان، حيننيت، شكيد وما شابه يتم معالجته في اطار خطة "تحصين التجمعات السكانية في خط المواجهة". وهكذا على اي حال، في تلك المرحلة، لم يحلم احد عن خلق تلك "الاصابع" و "البطون" للجدار، والتي تتسلل كيلو مترات الى دخل الضفة في ظل حبس الاف السكان الفلسطينيين ومئات الكيلو مترات المربعة من المناطق المبنية ومن المناطق الزراعية.
وكقاعدة، فان الحاجة الى الامتناع عن حبس اراضي والاف من السكان الفلسطينيين، غربي عائق مادي لم يولد في مجلس الامن القومي في 2001، كان هذا متفق عليه على مدى السنين التي كان فيها قيد الاستخدام مفهوم "مجال التماس". هذا المفهوم لم يولد في عصر اريك شارون كرئيس وزراء. فقد ظهر لاول مرة في منتصف التسعينيات على خلفية المباحثات مع الفلسطينيين على التسوية الانتقالية. خرائط مجال التماس اعدت منذ عهد ايهود براك كرئيس للوزراء في اطار ما سمي في حينه "ادارة السلام".
في عهد براك تم رسم مجال التماس على اساس مفهوم كيانين منفصلين - اسرائيلي وفلسطيني - مع اتفاق دائم بينهما. في تلك الخرائط يتطابق مجال التماس - وان لم يكن بدقة، مع الخط الاخضر. صحيح أنه ظهرت فيها كتل الاستيطان اليهودية، ولكن في قلب التخطيط وقفت المسألة كيف يمكن تقليص الاضرار الناجمة جراء حقيقة ان تلك التعديلات الصغيرة على طول الخط الاخضر تحبس اراض وسكان فلسطينيين. الافتراضية الاساسية اعتقدت في حينه عدم وجوب ضم فلسطينيين لتحويلهم الى اسرائيليين. واذا لم يكن هناك مفر من ان يتضمن الخط في مناطق معينة رغم ذلك سكان فلسطينيين، فعندها يجب عمل كل شيء لان يكون هؤلاء السكان مرتبطين بالسلطة الفلسطينية. وبشكل عام، مرغوب فيه شراء الاراضي او تبادل الاراضي مع السلطة. الحدود بين اسرائيل والفلسطينيين في مجال التماس خطط له ان يكون حدودا نشطة مع معابر ومناطق صناعية.
الخرائط القائمة اليوم، التي بزعم كبار في جهاز الامن ترسم شخصيا من شارون بالتعاون مع العقيد احتياط داني تيرزه، لم تعد تقوم على الخط الاخضر، بل على خط غلاف المناطق ب الفلسطينية. وهكذا يمر مجال التماس ليس فقط بتعديلات طولية، بل ايضا بتعديلات فكرية، جوهرية.
في العام 2003 بني عائق مادي شرقي القرى العربية المحاذية للخط الاخضر، مثل برطعة، باقة وقلقيليا. هذا الجدار بني خلافا لفرضية العمل المهنية من المخابرات بشأن امكانية الحفاظ على نقاء هذه الاماكن.
حتى منتصف 2002 كان يمكن الادعاء بان اعداد الخرائط وتحدي مسار الجدار تجريه هيئة تنفذ تكامل مع كل الوزارات الحكومة ومحافل الامن، ولكن من اللحظة التي تلقى فيها رئيس مجلس الامن القومي عوزي ديان بلاغ انهاء مهام منصبه - رسم الخرائط انتقل مباشرة الى يد رئيس الوزراء. خليفة عوزي ديان، افرايم هليفي لم يرغب في اخذ المسؤولية عن مجال التماس.
كانت وزارة الدفاع ولا تزال المقاول التنفيذي فقط، وكان ابراز الوزارة في صدارة الجدار يهدف الى التظاهر بان الاعتبارات امنية فقط، قيما ان الحقيقة هي أن شارون يقود الامور بنفسه وهو الوحيد الذي يقرر سير خط الجدار . كما أن الجيش لم يشارك في رسم الخرائط، واقتراحاته المضادة،على رسومات مكتب رئيس الوزراء كانت ترد دوما.
وهكذا، من عائق أمني صرف، حظي بالاجماع الوطني بل واقيم تحت ضغط حركة شعبية، نشأ شيء معقد سرعان ما صار بؤرة احتكاك اخرى مع العالم ومع الفلسطينيين.
لقد اعتقد شارون أن بوسعه ان يسرق في غفلة من الزمن وتحت جنح ظلام الحجة الامنية التي يسهل تسويقها في العالم في ضوء ضحايا العمليات التفجيرية الفلسطينية في مراكز المدن الاسرائيلية، أكبر كمية ممكنة من الاراضي الفلسطينية، محققا بذلك النقيض التام لما يصرح به من استعداد للموافقة على قيام الدولة الفلسطينية. فما سيتبقى بعد ما يقضمه الجدار، حسب الرؤية الاولية لشارون، لن يسعه بأي حال ان يصبح رصيدا لدولة قابلة للحياة. وبالنسبة له فان بوسع الفلسطينيين ان يسموا مناطقهم، جيوبهم المنعزلة والمحاصرة حتى امبراطورية وليس مجرد دولة.
الموقف الفلسطيني: الكفاح الجماهيري والقانوني
رسميا يتحدث الفلسطينيون بالاجمال عن الجدار بأنهم كانوا سيوافقون عليه لو أنه اقيم على الخط الاخضر وفي الاراضي الاسرائيلية وليس متغلغلا في اراضيهم ومتلويا يحاصر ويقطع أوصال ويمزق مشاهد ويحبس الناس ويمنع التنفس والرؤية.
ومع ذلك فانه حتى لو قام الجدار تماما على الخط الاخضر، فان هذا أيضا سيسبب تنغيصا غير قليل على قدر كبير من الناس يعيشون على طرفي الخط الاخضر ودمجت عقود من الروابط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والانسانية بينهم. وهذا بالضرورة سيبعث هو أيضا على نوع آخر من المقاومة والانتقاد. غير أن هذا حديث آخر لمناسبة اخرى لم تحل بعد إذ أن اسرائيل لا تزال تصر على امكانية ان يبقى المسار متغلغلا من هنا وهناك والى هذا الحد او ذاك داخل اراضي الضفة وعلى حسابها.
في ما يشبه كل شيء في الساحة الفلسطينية، فان الموقف من الجدار/ السور بدأ مترددا، متشككا، ساذجا، مكذبا ذاته، آملا بعدم تحققه، حتى أصبح حقيقة قائمة، مهددة لا تجعل فقط الدولة الفلسطينية مستحيلة بل وتجعل الحياة بالحد الادنى من الرفاه والامان في غاية الصعوبة.
ومثلما ارتفع الجدار على مراحل وفي مقاطع متباعدة لم تكن تسد السبل والافاق، هكذا كان الموقف الفلسطيني في البداية مترددا ومتشككا في امكانية ان تقدم اسرائيل على مثل هذه الفعلة النكراء. ولكن بعد أن اعتلت الاسوار لامتار طويلة، وسدت الثغرات ولم يعد ممكنا حتى التنقل لاداء مظاهر الحياة اليومية من تعليم وعمل ووصول الى الخدمات الصحية والعلاقات الاجتماعية فقد لاح السور تهديدا لمجرد الحياة وبات الكفاح ضده أمرا استكماليا لمبررات الحياة نفسها.
تختلف الرؤى في الساحة الفلسطينية في مواجهة السور الواقي مثلما تختلف في كل استراتيجية الكفاح الوطني. فبينما يعتقد البعض بان السبل الديبلوماسية والكفاح السياسي والقانوني على المستوى الدولي هو السبيل الاوفر حظا لمواجهة الجدار ومنع قيامه، فان هناك من لا يرى سوى بموافقة الكفاح العنيف سبيلا لمنع السور وهدمه.
وبين هذا وذاك تتصاعد في الاونة الاخيرة ولا سيما بعد نقل ملف السور للمحكمة الدولية في هاغ والنشاطات الكفاحية الجماهيرية التي رافقت ذلك، الميول السياسية للتركيز على الكفاح الشعبي في مواجهة السور كأفضل وأنجع السبل لذلك.
العالم يستنكر
لم تتصور اسرائيل رد فعل على مشروعها في اقامة سور الفصل العنصري الذي أقامته بدعوى الأمن، كذاك الذي ينطلق اليوم في أرجاء العالم. فقد تصورت ان حجتها الامنية كافية بان تبرر كل سلوك تدعيه وقاية وحماية وأمنا لسكانها.
للاسوار ولا سيما في اوروبا صيت سيء. فسور برلين الذي هجم عليه الناس تحطيما، لا يزال السور الماثل في أذهان الاوروبيين للعزل والفصل والقطيعة ونقيض الحياة. كما أن عبارات الفصل والعزل والاغلاق والاطواق التي تستخدمها اسرائيل في وصف اجراءاتها العسكرية وغير العسكرية ما يوحي بالفصل العنصري ومحميات العزل العنصري في جنوب افريقيا سابقا.
وحتى الولايات المتحدة ذاتها تجد نفسها في حالة احتجاج هادئة وودية مع اسرائيل في موضوع الجدار. وملاحظاتها الدقيقة والملموسة على الجدار كان لها أغلب الظن الاثر الاول، وربما قبل ودون مداولات المحكمة في هاغ في احداث تغييرات وتعديلات نظرية بل وعملية ايضا على مسار السور، ليس آخرها تفكيك الجدار شرقي باقة الغربية ، اضافة الى تحسينات وتسهيلات في مواقع اخرى.
المعركة ضد الجدار على المستوى العالمي تتناسب عكسيا مع كل خطر أمني على السكان المدنيين في اسرائيل. وكلما ابتعد الجدار عن ان يكون مبررا مقبولا من الناحية الامنية، وكلما اتضحت صورته القمعية والاستيطانية والتوسعية والعنصرية فانه يلقى المقاومة والتنديد في اوساط متزايدة في ارجاء العالم.
القدس 27/2/2004
* انتهـى *