افراد من وحدة الاستخبارات 8200 يعترفون بجرائم الاحتلال
يديعوت – مقال – 12/9/2014
"كنا هناك، وفعلنا ذلك ولم نعد قادرين على الاستمرار"
بقلم: أليئور ليفي
(المضمون: 43 ضابطا وجنديا من خريجي الوحدة الاستخبارية الجليلة الشأن 8200 أبلغوا رئيس الوزراء ورئيس الاركان أمس أنهم لن يؤدوا بعد الآن خدمة احتياطية تتعلق بالميدان الفلسطيني لاسباب ضميرية واخلاقية - المصدر).
حدث ذلك لـ د. بعد أن سُرح من الجيش، حينما شاهد فيلم "حياة آخرين" عن العاملين في "شتازي" في المانيا الشرقية الشيوعية، الذين كانوا يتنصتون على الناس ويتدسسون على حياتهم الخاصة. ويقول: "زُعزعت؛ فقد شعرت من جهة بمماهاة الضحايا، والطرف المضطهَد ممن يُسلبون حقوقا أساسية جدا تبدو لي مفهومة من تلقاء نفسها. وأدركت من جهة اخرى فجأة أنني كنت في خدمتي العسكرية في الطرف المضطهِد، وأننا نفعل الشيء نفسه بالضبط لكن بصورة أكثر نجاعة".
أما ن. فضربها شعور بعدم الراحة قبل ذلك بكثير زمن خدمتها العسكرية حينما كانت حاضرة بصفة ممثلة للوحدة 8200 في عملية اغتيال وقع فيها خطأ في التعرف على الهدف وقتل ولد صغير. "في المقابلة الصحفية المشهورة مع دان حلوتس، مع المقولة المختلف فيها عن ضربة طفيفة لجناح الطائرة (عقب عملية تصفية رئيس ذراع حماس العسكري صلاح شحادة في 2002 التي قتل فيها 14 مدنيا)، قال للطيارين في الحقيقة: أنتم على ما يرام، وأنتم لا ترون الصورة الاستخبارية الكاملة وتنفذون الاوامر العسكرية ولهذا تستطيعون أن تناموا نوما هنيئا في الليل"، تقول ن. "إن الطيارين اذا غير مسؤولين عن القتل لأنهم في نهاية الامر ينفذون الاوامر العسكرية، وهم في الوحدة 8200 ايضا غير مسؤولين عن القتل لأنهم يقومون بعمل استخباري نقي وينقلون المعلومات الى غيرهم. ويتبرأ الجميع من المسؤولية. فمن الذي يفترض اذا أن ينام نوما هنيئا في الليل؟ أعتقد أننا جميعا وقعنا على هذه الرسالة لأننا أدركنا أننا لا ننجح في أن ننام نوما هنيئا في الليل".
إن د. و ن. اثنان من 43 ضابطا وجندي احتياط في الوحدة الاستخبارية الجليلة الشأن 8200، وقعوا في هذا الاسبوع على رسالة اعلنوا فيها أنهم يرفضون المشاركة في عمليات ضد فلسطينيين، ولهذا لن يحضروا في المستقبل للخدمة الاحتياطية في هذا الميدان. وكتبوا قائلين: "لسنا قادرين من جهة الضمير على الاستمرار على خدمة هذا الجهاز والمس بحقوق ملايين البشر".
هذه أول مرة يصوغ فيها خريجو الوحدة رسالة رفض للخدمة. "هناك تصور أن الخدمة في سلاح الاستخبارات ليست فيها معضلات اخلاقية وتسهم فقط في مضاءلة العنف والمس بالأبرياء"، كتب فيها، "لكننا تعلمنا في اثناء الخدمة أن الاستخبارات جزء لا ينفصل عن السيطرة العسكرية في المناطق. والسكان الفلسطينيون الذين يخضعون لنظام عسكري معرضون تماما لتجسس الاستخبارات الاسرائيلية وتعقبها. وفي ضوء ذلك خلصنا الى استنتاج أنه تُلقى علينا بصفتنا خدمنا في الوحدة 8200 المسؤولية عن الوضع وواجب العمل. ونحن ندعو جنود سلاح الاستخبارات في الحاضر والمستقبل، ومواطني اسرائيل جميعا الى إسماع اصواتهم اعتراضا على هذه المظالم وأن يعملوا لانهائها. ونحن نؤمن بأن مستقبل دولة اسرائيل ايضا متعلق بذلك".
في مقابلة أولى يتيح الموقعون على الرسالة نظرة نادرة الى الحيرة النفسية التي مروا بها في اطار خدمتهم في وحدة جمع المعلومات الكبرى في الجيش الاسرائيلي، التي أصبحت منذ زمن مستنبتا لصناعة الهاي تيك الاسرائيلية وتوجه كثيرا من خريجيها الى وظائف رفيعة في الاقتصاد والمجتمع. ومن المهم عندهم أن يؤكدوا أن الاحداث التي يتحدثون عنها ليست لها صلة بعملية الجرف الصامد التي لم يشاركوا فيها.
صندوق عجائب الافكار
حضر ستة من خريجي الوحدة اللقاء الصحفي الذي تم في شقة أحدهم، مزودين بشهادات مكتوبة لموقعين آخرين. ويشهد الاشخاص الذين يقفون وراء الرسالة بأن أكثر الموقعين عليها يخدمون الخدمة الاحتياطية في الوحدة 8200 ومستعدون لتلبية دعوة الجيش في كل زمان. وقد استعمل بعضهم حتى الآن "رفضا رماديا" كي يتهربوا من الخدمة الاحتياطية، في ايام عملية الجرف الصامد ايضا. "إن الوحدة عائلية جدا، ولهذا يتصل القائد بك مباشرة كي يرى هل تستطيع المجيء لأداء الخدمة الاحتياطية، ولا توجد وساطة ضابطة اتصال مع ابلاغ رسمي"، يُبين ر. "والطريقة التي طورناها هي أن نتهرب في كل مرة بحجة مختلفة كامتحان أو رحلة الى الخارج. وهكذا امتنعت في واقع الامر عن المجيء لأداء الخدمة الاحتياطية دون أن أعلن أنني أرفضها".
إنهم واثقون جدا بأنفسهم وبالخطوة الدراماتية التي يخطونها، وبرغم ذلك يلاحظ التوتر جيدا على وجوههم. يدرس عدد منهم لألقاب متقدمة أما آخرون فعُينوا لوظائف في الصناعة. وهم من نوع الاشخاص الذين يفرح المجتمع الاسرائيلي باحتضانهم والفخر بهم في الايام العادية، لكنهم يوشكون الآن – وهذا واضح لهم – أن يدفعوا الثمن.
"إن أصعب جزء عليّ أن يرى الناس ما نفعله خيانة"، يعترف ش. وهو ضابط في الخدمة الاحتياطية في الوحدة وصاحب أعلى رتبة فيمن وقعوا على الرسالة. "نعلم جميعا أن خطوة كهذه تبعدنا عن حدود الاجماع الاسرائيلي. ويؤيدنا ناس كثيرون جدا ويشايعوننا لكنهم يخشون الردود والثمن الشخصي الذي سيدفعونه ولهذا رفضوا التوقيع".
"توجهت الى عدد من الاشخاص، وقالت لي صديقة جيدة لي من الوحدة: أنا أوافق تمام الموافقة على ما ورد في الرسالة لكنني أخشى أن يضر ذلك بالحياة المهنية التي أخطط لها"، تقول ن. "حتى ذاك الذي كشف لي عن المبادرة لم يوقع على الرسالة آخر الامر لأنه خشي ذلك".
إن ش. راض تماما عن القرار، لكن تعذبه الآثار التي قد تكون له: "نريد أن نصل الى الجمهور الاسرائيلي لا أن ينبذنا. ونرغب في أن تُفهم الرسالة وأنها مقولة اشخاص يهتمون بالوضع هنا ويفعلون ذلك عن اكتراث لا عن رغبة في حرق الجسور. لكنني متأكد أنه سيوجد اشخاص يستغلون هذه الرسالة ويسمونها خيانة كما يفعلون اليوم بكل من يثور على الاجماع".
نضجت فكرة الرسالة في أذهانهم مدة سنة، وقد بدأ ذلك في حديث صالون معتاد بين اصدقاء من الوحدة ظلوا على اتصال بعد الخدمة العسكرية. ويقول د. "شعرت بعد التسريح من الخدمة بأن عندي صندوق عجائب من الافكار. وبدأت أتحدث مع عدد من الاشخاص وتبين لي أن كثيرين يشعرون بالشيء نفسه. وتم كل شيء على نحو حذر جدا. تحدثنا عن أفكارنا وعن تساؤلاتنا وفكرنا في طرق عمل نستطيع أن نختارها. وبدأنا قبل ذلك بصوغ التصريح الذي نستطيع أن نقف من ورائه واستغرق ذلك وقتا طويلا جدا وتغيرت صياغاته كثيرا.
"كان من المهم عندنا أن تكون الرسالة حادة ومركزة كي تنال أكبر قدر مستطاع من الموافقة عليها. إن رفضنا موجه الى الميدان الفلسطيني فقط لا الى سائر الميادين التي تشتغل الوحدة بها. ولأننا نعتقد أن رفض الخدمة خطوة متطرفة جدا وقاسية لا سيما في المجتمع الاسرائيلي، كان من المهم عندنا أن نُبين في الرسالة بصورة حادة أننا نرفض فقط لأننا لا نستطيع من جهة الضمير أن نكون أداة لتعميق السلطة العسكرية في المناطق".
وبعد أن كتبوا الرسالة بدأوا يُشركون ناسا آخرين من الوحدة، صديق يأتي بصديق. ولم يعرف مسؤولون كبار في الوحدة وقادتها بالمبادرة. "كنا حذرين جدا في البداية"، يقول د. "وكانت التوجهات في لقاءات شخصية، وكنا ندور حول الموضوع الى أن شعرنا بثقة كافية كي نتكلم مباشرة. وكان السلوك سريا كي لا يبلغ الامر الى من لا يجب أن يعلم ذلك".
هدوء بعد تفجير
تصور الشهادات صورة يمكن أن تقلق عددا من الجمهور، لكن من شبه المؤكد أن كثيرين سيعتقدون أن الحديث عن خطوات مشروعة ولا سيما في زمن القتال. "بدأت الامور تتغير عندي وقت عملية الرصاص المصبوب، في سنة 2008"، يقول ن. وهو مترجم من العربية في قاعدة الوحدة 8200، مسؤول عن الساحة الفلسطينية. "مع بدء العملية بدا لي شيء ما ليس على ما يرام. فبدل الهجوم على مخزونات قذائف صاروخية ووسائل قتالية في قطاع غزة باعتبار ذلك استعدادا دفاعيا لمعركة مع حماس، هاجم سلاح الجو حشدا لرجال الشرطة وقتل في ذلك الهجوم 89 شرطيا فلسطينيا. كنت آنذاك جنديا بسيطا لكنني أردت أن أنقل الى من هم فوقي في سلسلة القيادة رأيي بأن الحديث عن عملية غير اخلاقية واشكالية لا بسبب اصابة رجال الشرطة فقط. وكانت تلك ساعات ثمينة كان يجب علينا فيها أن نؤدي عملنا وهو منع اطلاق قذائف صاروخية على مواطني اسرائيل. ولم يخدم ذلك هذا الهدف. وكانت الجبهة الاسرائيلية الداخلية مكشوفة لرشقات قذائف صاروخية دون أن تتم معالجة الموضوع كما يجب. ووافق الضابط المسؤول على نقل كلامي الى من هم فوقي لكنني لم أحظ بالحصول على جواب.
"في اثناء العملية صاحبت فرق مختلفة، اشتغلت بجمع المعلومات وبترجمة معلومات استخبارية عن أهداف في قطاع غزة. وأتذكر الهدوء الذي ساد غرف العمل في الثواني التي تلت قصف سلاح الجو للاهداف، وكان هدوءا متوترا على أمل الاصابة. وحينما لوحظت اصابة ملأ الغرفة تصفيق وصيحات فرح. ووضعت علامات "إكس" على سماعات الآذان وأغطية الوجوه التي زينت جدران الغرف. وصعب علي جدا أن لا أحد اهتم بأمر من أُصيب. ولم يقف أحد ليسأل نفسه هل تسوغ الاهداف التي نجمعها لطائرات سلاح الجو التدمير المطلق لحياة مليون ونصف مليون من سكان قطاع غزة؟.
"هاجم سلاح الجو في اثناء العملية بيت نزار الريان (أحد قادة حماس في غزة). وقتل 18 مدنيا، أكثرهم من أبناء عائلته. وأرادوا في يوم آخر أن يضربوا قادة ذراع حماس العسكرية. وحينما أبلغ سلاح الجو عن اصابة اشخاص ساد الغرفة توتر مع توقع تبين هل المصابين هم الاهداف الذين وجه الهجوم اليهم. وحينما تبين أنهم اشخاص آخرون سُمعت صيحات خيبة أمل لا لأنه قتل اشخاص بصورة تعسفية بل لأنهم لم يكونوا من بحثنا عنهم. يصعب علي أن أتخيل كيف بدت قاعدتي خلال عملية الجرف الصامد: يبدو أنها كانت تبدو كما كانت تبدو آنذاك لكن كل شيء كان أكثر إفراطا".
إن سياسة التصفيات تتبوأ مكانا مركزيا في عذابات ضمائر الموقعين بسبب حقيقة أنه تتم أكثر من مرة اخطاء تودي بحياة أبرياء بل اولاد صغار احيانا. "نحن نُهييء المعلومات الاستخبارية للعملية، ونسم الشخص وننقل المعلومة الى سلاح الجو"، تقول ن. "يوجد ممثلون للوحدة على الارض دائما، في فرقة يهودا والسامرة وفرقة غزة. في ذات مرة حينما كنت المندوبة لاحظوا مُريبا بالقرب من مخزن وسائل قتالية في غزة وظنوا أنه هدفنا. وأنا أتذكر الصورة في الشاشة: فقد كان المشتبه فيه في داخل بيارة ووقع انفجار وانقشع الدخان وجرت أمه نحوه واستطعنا أن نرى آنذاك أنه ولد صغير فقد كانت الجثة صغيرة، وأدركنا أننا فشلنا، وحدث هدوء غير طيب، ووجب علينا آنذاك أن نستمر.كان الجو صعبا لكن كانت ما تزال توجد اشياء تُفعل.
"كان عملي هناك تقنيا. فأنت في المكتب ترى صورة من المروحية والخرائط. ومن السهل جدا أن تفصل نفسك عن ذلك وأن تشعر بأنك بعيد. ولم يكن من عملي ايضا أن اسأل اسئلة هناك. قالوا لي ما الذي يحتاجونه مني وهو ما فعلته، بل إنني لا أعلم هل حدث تحقيق فيما وقع".
يؤدي أكثر الاشخاص في الوحدة العمل الملقى عليهم دون أن يسألوا أكثر مما ينبغي، ويفسر الموقعون ذلك بأنهم يؤدون الى المدربين من البداية في وقت الدورة التدريبية، يؤدون اليهم رسالة فحواها أنه لا يوجد في الوحدة 8200 أمر عسكري غير قانوني بصورة واضحة، وأدى بعضهم ممن كانوا مرشدين هذه الرسالة الى سواهم، الى جنودهم برغم أنه تبينت لهم آنذاك لوامع شك.
"قالوا لنا على الدوام إننا لسنا الموجودين على الارض ولا من نطلق النار وليس من عملنا أن نتخذ هذا القرار أصلا"، يقول أ. "يوجد نوع من نظام بديل في الوحدة يسمى "واجب الانذار الشخصي"، يقول إنه يجب عليك أن تنذر اذا كان يوجد شيء ما يقلقك، لكن من الواضح في بعض الحالات أن الحديث عن تعمية".
تغطي الحديث معهم على الدوام شخصية الملازم أول أ.، وهو ضابط شاب في الوحدة 8200 رفض في 2003 في ذروة الانتفاضة الثانية أن ينقل معلومات قبيل هجوم على مبنى في جنوب قطاع غزة خشية اصابة أبرياء. وكان يفترض أن يكون الهجوم ردا على عملية في ميدان نفيه شأنان في تل ابيب في كانون الثاني من تلك السنة قتل فيها 23 شخصا. وكان الهدف الذي اختير مبنى لفتح. وكان الامر بحسب ما يقوله اشخاص في داخل المجموعة الاستخبارية أن يُفحص متى يوجد اشخاص في داخل المبنى ولا يهم من يكونون كي يعطى الضوء الاخضر لقصفه. وألغي الهجوم بسبب رفض أ. وحوكم وعُزل عن عمله ونُقل ليخدم في عمل اداري.
وتقرر عقب الواقعة تدريس درس في كل دورات تدريب الوحدة يعتمد على التحقيق العسكري للقضية. وكان المرشدون يوجهون المتدربين في نهاية الدرس الى استنتاج أنه لا يوجد أمر عسكري غير قانوني على نحو واضح في الوحدة. وتبين لهم بعد ذلك أن التحقيق كانت تعوزه دقة كبيرة، فقد كتب فيه أن عمل الملازم أول أ. كان أن يتحقق من أن المبنى فارغ كي يتم الهجوم آنذاك. ويقول ن.: "الآن وقد علمت ما حدث في تلك العملية في الحقيقة أدرك أن كل النقاش الذي تم عنها مع المتدربين في الدورة التدريبية، كان سخيفا".
"في 2003 على الأقل وجد الملازم أول الذي لم يوافق على المشاركة في عملية"، يقول أ.، أحد الموقعين. "وفي 2014 لم يوجد اشخاص كهؤلاء".
كيف يُقال "هومو" (لوطي) بالعربية
ليس نظر الوحدة المعقم الى سياسة التصفيات هو وحده الذي يقض مضاجع من يخدمون الخدمة الاحتياطية الذين وقعوا على الرسالة، وهم يقولون إن الجمهور في اسرائيل يظن أن المعلومات الاستخبارية تُجمع فقط عن نشطاء الارهاب فقط. وهم يريدون أن يُبينوا حقيقة أن جزءا كبيرا من الاهداف التي يتم تعقبها اشخاص أبرياء ليست لهم صلة ألبتة بنشاط عسكري على اسرائيل، وتهتم الجهات الاستخبارية بهم لاسباب اخرى. ولا يخطر ببال اولئك الاشخاص ألبتة أنهم هدف استخباري، ويشهد الموقعون بأن النظرة اليهم لا تختلف عن النظرة الى ارهابيين، وليست حقيقة أنهم أبرياء تقديرا ذا صلة بالواقع.
"صعب عليّ جدا أن ظهرت تفاصيل شخصية مختلفة في سجل معلومات مهمة يمكن أن تستخدم لابتزاز اشخاص وجعلهم عملاء"، يقول ن. "قالوا لنا في القاعدة إننا اذا كشفنا عن معلومة "فاضحة"، فهي شيء من المهم توثيقه، كوضع اقتصادي صعب مثلا أو ميول جنسية أو مرض عضال لهم أو لقريب، أو علاجات طبية يحتاجون اليها.
"أسمعوني ذات مرة حديثا بين رجل أمن اسرائيلي وفلسطيني حاول أن يجنده. وتوجد قطعة يقول فيها "شقيق زوجتك مريض بالسرطان"، فيجيبه الفلسطيني "وليكن"، ويقول "تعلم أن المستشفيات عندنا جيدة"، وكان واضحا أنه يعرض شيئا ما على الفلسطيني أو يهدده.
"جمعت في اثناء الخدمة فيما جمعت معلومات عن أبرياء كل ذنبهم أنهم يهمون جهاز الامن الاسرائيلي لاسباب مختلفة. ولو كنتَ لوطيا يعرف شخصا ما يعرف مطلوبا فان اسرائيل تجعل حياتك بائسة. واذا كنت محتاجا لعلاج طبي عاجل في اسرائيل أو في الضفة الغربية أو في خارج البلاد فاننا نبحث عنك. وتضايقك اسرائيل حتى الموت قبل أن تتيح لك الخروج للعلاج الطبي دون أن تقدم معلومة عن ابن عمك المطلوب. وفي كل مرة يتاح فيها شخص بريء يمكن ابتزازه مقابل معلومة أو لتجنيده متعاونا، كان ذلك بالنسبة إلينا ذهبا وبالنسبة لكل المجموعة الاستخبارية الاسرائيلية، وفي دورة الاعداد يتعلمون ويرددون كلمات مختلفة تعني اللوطي باللغة العربية".
إن القوة الكبيرة الموضوعة في أيدي الجنود والضباط في الوحدة، أكثرهم شباب في العشرينيات من اعمارهم، قد تكون – كما يقول الموقعون على الرسالة – قوة إفساد ايضا. "حينما توليت عملي فاجأني عظم المسؤولية الموضوعة على كاهلي"، تقول ن. "وشعرت بأن لي تأثيرا في اشياء مهمة. وكنت استطيع أن ابادر الى اشياء لها تأثير في حياة الفلسطينيين، وبأننا نستغل هذا التأثير الذي لنا في حياتهم. ويكون ذلك احيانا مسا حقيقيا بحياة انسان ونفسه. والحديث عن ابتزاز يمكن أن يفسد عليهم حياتهم. والتوجه الغالب عندنا هو "لماذا لا؟ اذا أمكن فالى الامام". واعتقدت أن ما استطيعه مجنون. فنحن الاسياد".
يشهد عدد من الموقعين بأنهم وجدوا أنفسهم يواجهون معلومات ذات صبغة سياسية واضحة جعلتهم في وضع غير مريح. "حينما جندت للوحدة ظننت أنني سأشتغل باحباط الارهاب، وبما هو ضروري لحفظ أمن الدولة"، يقول أحدهم. "وتبين لي في اثناء الخدمة أن جهودا كثيرة في الساحة الفلسطينية توجه الى أمور لا صلة لها بالأمن. عملت في جمع معلومات في امور سياسية كان بعضها يتصل باهداف يمكن أن نرى أنها تخدم حاجات امنية كقمع مؤسسات حماس وبعضها ليس كذلك. وكانت اهداف جمع معلومات سياسية لا يوجد عليها اجماع اسرائيلي كتقوية الموقف الاسرائيلي في مقابل الموقف الفلسطيني، ولا تخدم هذه الاهداف الجهاز الامني بل الساسة وأجنداتهم.
"كان من الصعب جدا علي وعلى من كانوا معي في القسم فعل بعض ما فعلنا، كان مشروع ما صُدمنا حينما كشف لنا عنه. وكان من الواضح أنه ليس شيئا يفترض أن نفعله بصفتنا جنودا. ونقلت المعلومات مباشرة تقريبا الى جهات سياسية لا الى اجزاء اخرى من جهاز الامن، وأوضح لي ذلك أن الحديث عن معلومات لا تكاد توجد صلة بينها وبين الحاجات الامنية".
هناك شأن اشكالي آخر يثور خلال الخدمة وهو شأن واقع الوحدة. يُحتفظ بتسجيلات مع احاديث يسمعها المدربون والجنود دون التحير بمعضلة ان الحديث عن مخالفات اخلاقية شديدة. فالاحاديث الجنسية مثلا شيء متلقف جدا في الوحدة. "سمعت بقسم اطفأوا فيه ذات مرة كل الاضواء في الطابق وأسمعوا حديثا جنسيا بأعلى صوت"، يشهد أحد الموقعين. "يستمع بضع عشرات من الاشخاص الى حديث جنسي وينفجرون ضاحكين جميعا وهذا جزء من الواقع، وليس الحديث فقط عن احاديث يطلعون عليها بالخطأ، فقد عرف الجنود لمن يستمعون ومتى كي يجدوها، وكانت تنقل من واحد الى آخر.
وشهد خريج وحدة آخر بأنه شعر شعورا سيئا لأنه عرف بدقة كبيرة مشكلات كل واحد من الاهداف. "ليس شعورا طيبا أن نتحدث ونضحك من هذه المعلومات بحرية. عرفنا من يخون زوجته ومع من، وبمقدار توالي ذلك. وكانت احاديث عن حالات طبية "مضحكة" كمرض البواسير. وهذا جزء من الواقع ويدعو أحدهم الآخر كي يأتي ليسمع. ويتناقلون للضحك ايضا صورا للاهداف أو لمجرد فلسطينيين. ويظهرون صورا عائلية ويتضاحكون لقبح الاولاد، أو صورا خاصة التقطها الزوجان بعضهما لبعض.
"في مرحلة ما أبعدت نفسي عن ذلك الامر. وقلت للرفاق حولي ايضا إن ذلك لا يتعلق بما نهتم به، لكن الجميع قالوا إن ذلك لا يمس أحدا. وعرف القادة ذلك، وليس ذلك سؤالا ألبتة. بل إنني لا أقول إنهم تغاضوا عن ذلك لأنه كان من الواضح أنه لا بأس به ولا مشكلة فيه. فالجنود لا يجهدون انفسهم حقا باخفاء ما يفعلونه".
ضمير المجندين
مع خشيتهم من النقد العام الذي سيوجه اليهم، اصبحوا يواجهون ايضا انتقادا داخليا في عائلاتهم التي يصعب عليها قبول هذه الخطوة غير المعتادة. "لا تؤيد عائلتي قرار التوقيع على الرسالة"، تقول ن. "وهم لا يعتقدون أن فعل ذلك صحيحا، وهم ينظرون إلي كأنني متطرفة أخطو خطوة لا صلة لها بالواقع في دولة ديمقراطية".
ويتحدث ر. عن أن عائلته القريبة تخشى في الاساس تأثيرات الرسالة الشخصية. "إنهم يهتمون بي وبرفاقي ويأملون ألا ندفع ثمنا شخصيا قاسيا جدا".
وقعوا باسمائهم ورتبهم الكاملة على الرسالة الرسمية التي أرسلت أمس الى رئيس الوزراء ورئيس الاركان ورئيس "أمان" وقائد الوحدة. وينبغي أن نخمن أن يثير نشر الرسالة ضجيجا كبيرا بل قد يثير اسئلة وتساؤلات بين طلاب ثانويات مرشحين للخدمة في الوحدة 8200. ويعلم الموقعون على الرسالة ذلك لكنهم لا ينوون أن يدعوا الآخرين الى رفض الخدمة في الوحدة.
"اذا سألني شخص ما فسأحدثه عن رحلتي وعن حيرتي وعما اشعر به في خدمتي"، يقول أ. "سأعطيه الوسائل لكن كل من سيجند عنده ضميره ويجب عليه أن يتخذ قراراته بنفسه. هذه معضلات شديدة ومن رفض أن يجند للوحدة فسيضطر الى دفع ثمن باهظ جدا. ومن جهة اخرى قد يكون في الموقع الذي كنت فيه بالضبط حينما كنت في عمره وهو موقع الايمان بأن ما نفعله هو لمضاءلة قتل الابرياء. إن كل ما استطيع أن افعله هو أن اعرض عليه وجهة نظر مختلفة".
ويؤكدون أنهم لا يريدون أن ينشئوا حركة من ورائهم. وهم يرون هذه الرسالة مرآة للجمهور. "كل ما نريد أن نفعله أن نضيء ضوءا احمر للجمهور الاسرائيلي"، يقول ش. "ليدركوا أننا كنا هناك وفعلنا ذلك ولم نعد قادرين على الاستمرار. سنوافق على العودة للخدمة في الوحدة اذا علمنا أن الهدف الذي نحن هناك لاجله هو الدفاع عن النفس لا لتأبيد نظام عسكري".
* * *