"الأبرتهايد الاسرائيلي"
هآرتس – مقال - 17/12/2013
مانديلا والمقارنة
عندما يقال "ابرتهايد اسرائيلي" – ما المقصود؟
بقلم: عميرة هاس
(المضمون: الابرتهايد الاسرائيلي لا يتطابق والحكم الذي كان متبعا في جنوب افريقيا، ولكن يمكن اجراء مقايسات بينهما. في اسرائيل ايضا توجد تفرقة متعمدة بين الشعبين - المصدر).
· بالتأكيد لا يقصد بذلك العنصرية البيولوجية الرسمية والشعبية التي سادت هناك، في جنوب افريقيا. ومع أنه لا تنقص عندنا معاملة عنصرية ومتعالية مع ملحقات دينية – بيولوجية، ولكن اذهبوا الى المستشفيات فستجدون عربا ويهودا بين المعالجين والمرضى. من هذه الناحية فان المستشفيات هي المؤسسة الاكثر صحة في اسرائيل.
· نعم يقصد بذلك فلسفة "التطور المنفصل" للشعوب والتي سادت هناك، وهي لغة مغسولة لعدم المساواة، للتفرقة المقصودة بين الشعوب، لحظر "الاختلاط" لسلب الارض والمقدرات الطبيعية من غير البيض واستغلالها من أجل رفاه الاسياد. ومع أن هذا مغلف عندنا باغلفة مبررات الامن، اوشفيتس والعقارات الالهية، فان الواقع يدار حسب ذات الفلسفة، التي تستعين بالقوانين وبقوة السلاح.
ماذا مثلا؟
· منظومتا القانون المنفصلتان السائدتان في الضفة الغربية: قانون مدني لليهود، قانون عسكري للفلسطينيين. منظومتا البنى التحتية المنفصلتان (الطرق، الكهرباء، الماء) – الفائقة والمميزة والموسعة لليهود، المحدودة والمظلومة للفلسطينيين. الجيوب ("بانتوستانات") التي تحت حكم ذاتي فلسطيني محدود. نظام التصاريح ومحظورات الحركة – الذي فرض على الفلسطينيين في العام 1991، بالتوازي مع الغائه في جنوب افريقيا.
بمعنى، الابرتهايد الاسرائيلي هو في الضفة الغربية؟
· لا وكلا. نحن نتحدث عن الابرتهايد في البلاد الكاملة، من البحر الى النهر. على ارض اقليمية واحدة، يعيش فيها شعبان وحكومة واحدة، منتخبة من شعب واحد، وتقرر مصير ومستقبل الشعبين. مثلا، الخانق التخطيطي للبلدات الفلسطينية في اسرائيل يشبه ذاك الذي في الضفة الغربية.
ولكن الفلسطينيين مواطني اسرائيل يشاركون في عملية انتخاب الحكومة، الامر الذي لم يكن في جنوب افريقيا؟
· صحيح جدا. ولكننا نعنى بالمقارنة، وليس في التطابق. فالمواطنون العرب يصوتون ولكنهم يستبعدون عن القرارات بشأن مصيرهم. وفارق آخر: في جنوب افريقيا كانت التطابق بين الطبقة والعرق، استغلال طبقة العمال السود من أجل المال الابيض، كان عنصرا جوهريا. اما الرأسمالية في اسرائيل فليست متعلقة بالعمل الفلسطيني (وان كانت معروفة اهمية قوة العمل الفلسطيني الرخيص في ثراء قطاعات مختلفة في اسرائيل بعد 1967). في جنوب افريقيا كان تقسيم لاربع مجموعات عرقية (بيض، سود، ملونين وهنود)، كل واحدة تقع في مرحلة اخرى في سلم عدم المساواة، من أجل تخليد الحقوق الزائدة للبيض. العرق الابيض (الناطقون بالافريكانية والناطون بالانجليزية) كان يعرف كقومية واحدة، رغم الفوارق الكبرى بينهما، اما الافارقة فقد قسموا الى عدة مجموعات قومية مختلفة. وهذا ضمن للقومية البيضاء ان تكون هي الاكبر. اما عندنا فان التفرقة الاساسية التي اوجدتها السلطات هي ظاهرا جغرافية، موجهة للحفاظ على الحقوق الزائدة لليهود وتطويرها.
ولكن عند اليهود ايضا توجد تقسيمات فرعية وتفريقات؟
· بالتأكيد. حسب الأصل (يهودي – اوروبي مقابل يهودي – عربي)، محيط – مركز، ماضي عسكري، قديم وجديد. ولكن مقارنة بالفلسطينيين فانه حتى المظلومين والمستضعفين من اليهود هم اصحاب حقوق زائدة بين النهر والبحر. مثلا، "حق العودة": لليهود (من كل اصل كان)، ولكن ليس للفلسطينيين، حتى لمن هم أو اباؤهم ولدوا في البلاد ويعيشون اليوم في المنفى. او حق الانتقال من منطقة جغرافية واحدة الى اخرى: التل ابيبي يمكنه أن ينتقل للعيش في الضفة الغربية، اما المقيم في بيت لحم فمحظور عليه الانتقال للسكن في الساحل.
· في مراحل سلم عدم المساواة يوجد على نحو منفصل سكان قطاع غزة، الضفة الغربية، شرقي القدس، وبعدهم الفلسطينيون مواطنو الدولة الذين يعيشون في اسرائيل السيادية. من كل مجموعة كهذه تحرم بشكل مختلف حقوق الانسان والمواطن. وهنا ايضا يوجد تقسيمات فرعية هدفها تجزئة الشعب الاخر الى عناصر مختلفة: "ج"، دروز، بدو، فلسطينيين، مسيحيين، مسلمين، كل بيروقراطية تنفذ تقسيمات فرعية وتصنيفات متشددة كهذه يوجهها مبدأ عدم المساواة من أجل رفاه مجموعة واحدة مهيمنة.
أتوجد نماذج اخرى؟
· لمجرد الذكر نورد هنا قواني برافر و "المنطقة ج" للافريقيين. منذ بداية الخمسينيات نفذ النظام الافريقي سلسلة من الاقتلاعات – للسود، الملونين والهنود من بيوتهم وأراضيهم، لاخلاء الارض لاستيطان البيض. وكل ذلك حسب القانون والمنطق القانوني الابيض السائد. هذا هو الاساس الاستعماري الذي سبق التسلسل الزمني للابرتهايد. عندنا ايضا الاساس الاستعماري، سلب الشعب الاصيل من أرضه، تواصل بالتوازي مع نظام "التطور المنفصل".
هل يوجد أمل؟
· الأبرتهايد الطبقي في جنوب افريقيا لم يتم القضاء عليه وزوار من اليسار يتهمون نلسون مانديلا وزعماء آخرين في أنه في اثناء المفاوضات التي اداروها مع النظام توصلوا الى تسوية يحصل بموجبها السود على حق التصويت فيما يبقي البيض على المال. وبينما بقي الفقر "أسود"، توجد مجموعة نخبة افريقية أثرت جدا. ومع ذلك لا ينبغي الاستخفاف الانجاز الديمقراطي والتغييرات الاجتماعية التي وقعت وبطريق الكفاح الذي خطه مانديلا ورفاقه. ولهذا فقد رفع الفلسطينيون والاسرائيليون صوره في مظاهرات نهاية الاسبوع (التي فرقها جنود الجيش الاسرائيلي بالقوة).
ولكن شمعون بيرس أبّن مانديلا بحرارة.
· مانديلا متسامح كبير. يوجد لبيرس أسهم هامة في العلاقات الامنية، الاقتصادية والسياسية التي بنتها اسرائيل مع النظام العنصري في جنوب افريقيا ومؤسسيه المؤيدين للنازية. وكأحد آباء الاستيطان في الضفة وواضع فكرة "الحل الوظيفي" فان له نصيب هام في فلسفة "التطور المنفصل" عندنا.
* * *