على مسار الصدام 22-7-2005
مقالات عطا القيمري
كتب بتاريخ: 22 / تموز / 2005
* * *
على مسار الصدام
بقلم: عطا القيمري
تابعت بتمعن وبإحساس عالٍ من المسؤولية المناظرة السياسية التي بثها تلفزيون "المنار" هذا الاسبوع بين عبد العزيز شاهين (أبو علي) كممثل عن فتح من غزة وأسامة حمدان كممثل عن حماس من لبنان بحضور المعقّب حلمي موسى غزي الأصل من لبنان. وقد حرصت على أن أنصت الى كلام المتناظرين بأُذن أقرب ما تكون الى الحيادية، بأُذن مواطن عادي، يرغب في المعرفة والفهم، لا الاصطفاف أو تأكيد الاصطفاف الذي كان مقررا مسبقا. وكلما كان أحدهما يأخذ حق الكلام تجدني أقتنع بما يقول. وحِرتُ هلا كنت أنا بذكاء متدنٍ أسمح لكل اتجاه أن يُقنعني حتى تتقاذفني الأمواج بين تيارين على هذا القدر من الافتراق الذي يصل بهما الى ما يشبه الصدام، أو مقدمة الصدام في غزة، أم أن هناك أمرا أقوى مني ومنهما يجعلهما مُحقان لدرجة الألم، وربما ايضا مخطئان لدرجة الموت.
فتح محقة. فماذا يريدون منها، حتى الحكومة التي تسيطر عليها أرادتهم شركاء فيها فعرضت حلها وتشكيل حكومة وحدة بدلا منها. أقرت الانتخابات المحلية والتشريعية ووافقت على تغيير طريقة الانتخاب بحيث تكون بالمناصفة بين نظام الدوائر ونظام الدائرة الواحدة النسبي. وبإقرارها الانتخابات فانها تكون قد أقرت بمبدأ التعددية، والديمقراطية كسبيل لتبادل السلطة، بل والسلم الاجتماعي الذي يضمن الاستقرار والرفاه لكل مجتمع. كما أنها إذ تقول بوحدانية السلطة، وسلطة القانون، فانها تحمي حلم الدولة بقدر ما ترغب في صد الفوضى وضمان الأمن للوطن والمواطن. ثم انها وافقت على التخلي عن وحدانية السيطرة على منظمة التحرير بقبولها دخول حماس الى المنظمة بذات الشروط والنسبة التي تحققها في الانتخابات للمجلس التشريعي القادم. هذا وأكثر. فماذا بربكم تريدون منها؟!.
وحماس محقة. فهي رغم تغييبها عن مناعم ونفوذ السلطة، لم تتردد في التضحية بالغالي والنفيس في سبيل المشاركة في الكفاح الوطني. ومجاهدوها خرجوا من سجون السلطة ليواجهوا الاحتلال وينضموا متحدين مع مقاتلي فتح وغيرها بأيادٍ متشابكة ضد الاحتلال. يجري الحديث عن عودة الى خريطة الطريق التي تتضمن تصفية لوجودها كشرط لقيام دولة في أي جزء من فلسطين، وهي تُدعى الى هذا الفرح كي تنقل الماء للمحتفلين. وفي غزة حيث فاقت تضحياتها بالدماء ما تستحقه من شراكة في الحكم، تُدعى الى أن تلتزم بسلطة قانون لا نفوذ لها عليه، وبوحدانية سلطة ليس لها فيها أي نصيب. يُقال لها انتظري الانتخابات التي أجلناها لاعتباراتنا (أو لاعتبارات تبدو من زاوية فتح موضوعية) حتى تنالين بعضا من الكعكة التي قد لا تكون تُسمن أو تُغني من جوع. فهل السلطة هي حقاً للتشريعي. وهل عضوية التشريعي أو الاغلبية فيه، بل وتشكيل الحكومة ايضا ضمانة لسلطة حقيقية تستحق التضحية بالوجود العسكري الكفاحي الذي يوازي قوة السلطة الحقيقية المقابلة بأجهزتها الأمنية!؟. شركاء في الدم شركاء في القرار تقلص لينحصر في لجنة متابعة لا سلطة لها. وتنسيق فك الارتباط يُهدد بجعلها هي كبش الفداء دون أي وسيلة مضمونة للتمتع بغنائم النصر الذي ساهمت بنصيب الأسد في تحقيقه. فماذا تريدون منها بحق السماء؟! حماس محقة.
فتح وحماس كلتاهما محقتان. ويا ويلي من حقهما. فبما في طرحهما من إقناع قد يحشد كل ما في فتح من حماسة وما في حماس من فتح ما يمكنه أن يدخلهما في مسار مضمون للصدام. واني أرى هذا الصدام مضمونا لا سمح الله، فهل من مخرج؟ هذا الصدام لا بد مضمونا اذا لم تتخذ اجراءات عاجلة تتجاوز التنديد بالصدام واحتمالاته ونداءات الاغاثة باسم الوطن والدين وحرمة الدم وغيرها. اجراءات سياسية عاجلة وفاعلة تتجاوز عدالة وحق الموقف في كلا الطرفين وتأخذ الحكمة بديلا للعدل والحق.
على وحدانية السلطة الا تكون شعارا رديفا لدى فتح بأن للسلطة خلقتني يا رب. فالسلطة في النظام الديمقراطي تكون لمن يستحقها بانتخابات شاملة، حرة ونزيهة وبها فقط. هذا النظام الذي لا بد من أن نقره جميعا ونحاسب على كل خرق له بتبني وثيقة شرف معلنة تؤكد ما في اعلان الاستقلال من اقرار للديمقراطية والتعددية وتبادل السلطة بالطرق السلمية وضمان الحريات العامة التي يكفلها الدستور حتى بتبادل السلطة بين الاحزاب. كما أن موعد الانتخابات يجب ان يقر باتفاق عاجل ويحترم احتراما مطلقا ونتعهد جميعا بقبول نتائجها.
كما أن على حق المقاومة الذي تقول به حماس وتتعلل به كي تقيم لها جيشا ودولة وسلطة موازية لجيش ودولة وسلطة فتح، ألا يكون حربا خاصة لها بل أداة موزونة بإرادة شعبية عامة في صالح كل الوطن.
السلطة ليست الحكومة. والدعوة للمشاركة في حكومة وحدة لا تملك صلاحيات على قواتها المتفرقة في جيوش ذات أجندات مختلفة ليست المخرج من الازمة. فالسلطة هي عمليا لمن يحمل السلاح. والسلاح متفرق ومشتت وبقيادات متفرقة ومتشددة. هذه هي المهمة الحقيقية. فهل تقبل فتح وحماس ان تدمجان قوات السلطة وقواتهما الخاصة وقوات باقي قوات الفصائل الاخرى في جيش واحد بهيئة أركان واحدة يكون ذا أجندة واحدة فتحمي معا ليس الحلم في اقامة الدولة وحسب وليس تجاوز مطلب "تصفية البنية التحتية للارهاب" كما تقضي خريطة الطريق، بل وتحمي سلطة القانون التي يجب ان تكون هي الاخرى مستقلة ومحترمة.
لا يوجد لدينا وقت. من يظن أن لدينا كل الوقت الذي في العالم لنعيد تنظيم منظمة التحرير ونجري الانتخابات على مهلنا ونوحد اجهزتنا الأمنية، دون ان نوحدها بالقوى المسلحة التي تملك السلطة الحقيقية، فانه واهم.
ليس لدينا الوقت. كل هذه المهمات يجب أن تتم قبل انتهاء الانسحاب الاسرائيلي من القطاع.
كما أن على فتح والسلطة وكل القوى والفصائل ان تعيد النظر في موضوع الرفض التام لادارة خاصة بغزة. هذا موضوع شائك ومعقد ويحتاج الى معالجة خاصة لمعرفة ما فيه من خسائر ومكاسب واتخاذ القرار بطريقة موضوعية وغير متشنجة أو فئوية.
القدس 22/7/2005
* انتهــى *