Al-Masdar One

   

 

مقالات عطا القيمري

 

كتب بتاريخ: 7 /كانون الثاني/ 2005

 

 *  *  *

 

مقالات 

 

ملاحظات على هامش الانتخابات

 

بقلم: عطا القيمري

 

          مع ختام الحملة الانتخابية لرئاسة السلطة الفلسطينية تقف راسخة جملة من الحقائق والثوابت في الساحة السياسية الفلسطينية وهي تخوض تجربة لا تزال تحبو وتحتاج إلى الرعاية كي تنهض بقامة شامخة عزيزة. وفي هذه الحقائق ومزايا الطفولة الأولى ما يحتاج إلى التسجيل واستخلاص العبر على سبيل النمو السليم والمعافى.

 

          كانت لدي مشكلة مع هذه الانتخابات، والاحرى عدة مشاكل او مآخد. أول هذه المشاكل هي أنها اقتصرت على رئاسة السلطة وحدها. فقد كنت أحبذ لو أن الانتخابات جرت أيضا لمجلس نيابي تمثيلي حيث يتسنى من خلالها لكل القوى الفلسطينية المختلفة في الساحة ان تجد تعبيرا  وتمثيلا لها فيه، بل ومنازعة مع غيرها في ساحة من الشرعية والديمقراطية وليس في الميادين أو المناورات السياسية على إختلاف أنواعها. فالرئيس المنتخب، مهما كان قادرا على احداث التوازنات أو كما يقال مسك العصا من الوسط بحيث يرضي كل الاطراف، فانه يبقى إنسانا بميوله وأرائه واسلوبه وشخصيته التي لا يمكن لها أن تنقسم لتمثل عن صدق كل القوى المختلفة أصلا. ولا يمكن لهذه المهمة أن يقوم بها غير مجلس نيابي تمثيلي يتخذ شخصية سياسية خارجيا هي نظام الحكم ويختلف ويتصارع في الرأي والمجادلة  في شخصية المجلس داخليا.

 

          ثانيا، وهي مشكلة لا تقل حدة عن الاولى في أن هذه الانتخابات تجرى للسلطة الفلسطينية، ليس توطئة لتحول هذه السلطة الى دولة، وليس تتويجا لنضوج مؤسسات السلطة والكيان السياسي ولبسط سيادتهما، بل في ظل واقع إجُتزأت  وتقلصت فيه صلاحياتهما حتى في إطار ما كان يعرف في عهد اوسلو بمناطق أ. وهكذا نجد أنفسنا ننتخب سلطة لا سلطة لها علينا.

 

          ثالثا، وهذه أيضا مشكلة عسيرة تصل حتى التأزم. وهي القدس. فالقدس حين انتخبت بعد اوسلو في العام 1996 كانت تشارك بهذا الانتخاب في تقرير مصيرها كجزء من الدولة الفلسطينية العتيدة التي كان يفترض باوسلو أن تقيمها في نهاية المرحلة الانتقالية. وقد شاركت فيها من منطلق أنها مسألة أساس في المفاوضات على الحل الدائم. اما اليوم فليست هي فقط غير قائمة في مسائل المفاوضات، بل ولا توجد حتى "تسوية دائمة" في الأفق.

 

          رابعا، موقف حماس. مع الاحترام لموقف حركة حماس التي أبدت الاستعداد للمشاركة في الانتخابات المحلية، وطالبت بإنتخابات نيابية، الا أن إمتناعها عن المشاركة، أساسا من حيث الترشيح، في الحملة الانتخابية للرئاسة، هو ربما، أحد المؤشرات على أن الحياة الديمقراطية في فلسطين لا تزال تحبو. فقد كان ينبغي لحماس، بصفتها حركة تدعي الريادة والقيادة، أن تتحدى قيادة م.ت.ف في رئاسة السلطة التي هي الان ليست م.ت.ف وليست حماس. وفيها يمكن للحركتين أن تندمجا في نظام سياسي واحد تسوده الديمقراطية. وفي الحياة الديمقراطية، فان كل حزب لا يسعى الى السلطة يقتطع ويجتزىء من كونه حزبا سياسيا حقا. فلا بد أن طموح حماس لا يقتصر على المنافسة في البلديات وعلى إدارة شؤونها "الصغرى" فيما تترك الامور "الكبرى" لحركات اخرى. خسارة أن حماس لم تسجل منذ الان رغبتها وقرارها في الاندماج في النظام السياسي. ولعل في هذا الموقف ما لا يؤكد بعد حتى إمكانية أن تشارك في الانتخابات النيابية اللاحقة.

 

          خاسا، ما دل على الفجاجة الديمقراطية هو طريقة اختيار المرشحين، ولا سيما في فتح. فقد كان ينبغي لفتح ان تنتهز الفرصة فتجري انتخابات حقيقية لمرشحها، حتى لو كانت النتيجة هي نفسها، لا ان تتفق عليه بطرق تنتمي الى عصر ما قبل الديمقراطية.  

 

ومع ذلك فاننا وجدنا أنفسنا نخوض هذه التجربة وندعمها رغم ما فيها من إشكاليات عسيرة. وفي الحقيقة، لولا وفاة الرئيس ياسر عرفات، لما كنت أؤيد أي انتخاب كهذا. ونحن نخوضها للاسباب التالية:

 

          أولا، في خوض حملة انتخابات قرار سياسي على مستوى تاريخي، يتخذه الشعب باسره، ممثلا بقواه الفاعلة، السياسية، المجتمعية والثقافية، في تثبيت الديمقراطية كمنهج حياة. وهي رسالة لنا قبل غيرنا، وللعالم ايضا في أن الشعب الفلسطيني يستحق كيانا سياسيا يرتقي الى مصاف الدولة ذات السيادة. وأحد الادلة على ذلك هو أن بوسعنا أن نتصرف كدولة حتى قبل ان نحظى بذلك.

 

          ثانيا، في الانتخابات، إنتزاع للمبادرة السياسية. فمنذ قرار بناء السور (المادي الاسمنتي) وخطة فك الارتباط، وربما منذ "السور الواقي" (العسكري) في إعادة إحتلال المناطق الفلسطينية بقيت المبادرة السياسية في يد إسرائيل. واقتصر الموقف الفلسطيني على رد الفعل العاجز موضوعيا عن جذب الاهتمام وتحديد جدول الاعمال السياسي. ورغم أن خطة فك الارتباط لا تزال قائمة ، إلا أن الانتخابات الفلسطينية سحبت مؤقتا على الأقل المبادرة السياسية من يد اسرائيل.

 

          وأخيرا لست أتوقع الكثير من الرئيس المنتخب. فإذا ما تمكن من أن ينقلنا من مرحلة الأزمة والمأزق الذي بلغته الانتفاضة الى مرحلة من الانطلاق السياسي على أساس ما نملكه من شرعية هي أقوى من كل الممارسات العسكرية الصغيرة مهما عظمت، فانه يكون قد أوفى بدوره السياسي حقا.

 

          بالطبع نريد منه الكثير في المجال الداخلي. فلا رجعة عن الديمقراطية. ولا يجب أن نسمع منه حتى ولو حرف واحد لتبرير لا سمح الله تأجيل أو إلغاء الانتخابات التشريعية والحزبية الداخلية. كما أننا لن نتسامح معه في الادارة السليمة وفي أمن المواطن وحرية الكلمة. وفي القدس، وهي قضيتي الأولى، حذار أن يتم التعاطي معنا او مع قضيتنا كسكان، معلقين في الهواء، دون الأرض التي نجلس او لا بد ان نجلس عليها.

 

          القدس - 7/1/2005

 

انتخابات 

 

 

*      انتهـى          *